مقالات

خاص "وردنا" - من "تمثيلية" برج البراجنة إلى دماء شاتيلا: إيليو وفتاة مجهولة ضحيتا السلاح خلال ساعات

خاص

عاد مخيّم شاتيلا في بيروت إلى واجهة الأحداث الأمنية، بعد يومين فقط من جريمتين صادمتين أعادتا إلى الأذهان صورة الفوضى التي تلفّ المخيمات الفلسطينية والسلاح المنتشر داخلها. في المشهد الأوّل، قُتلت فتاة بدمٍ بارد أمام ما يُعرف داخل المخيم بـ"غرفة المخدرات". الفتاة من خارج المخيّم، لم تُعرف هويتها بعد، لكنّ الدماء التي غطّت الدرج والأروقة سرعان ما اختفت، بعدما هرع عدد من الأشخاص لتنظيف المكان خلال دقائق، وكأن شيئًا لم يكن.

وفي المشهد الثاني، الشاب إيليو ارنستو وليد أبو حنّا، (24 عاما)، دفع حياته ثمن خطأ في الاتجاه. كان عائدًا من عشاءٍ مع أصدقائه في منطقة بدارو، استخدم تطبيق "غوغل مابس" للوصول إلى منزله، فانتهى به الأمر على مدخل مخيم شاتيلا، حيث أطلق عليه عناصر من حاجز أمني فلسطيني النار، بعد عدم امتثاله للتوقف، وفق الرواية الرسمية.

بين الحادثتين، أقلّ من أسبوع، وبينهما قاسمٌ مشترك: سلاح متفلّت خارج سلطة الدولة اللبنانية. ومع ذلك، فإنّ هذه الوقائع ليست سوى فصل جديد في رواية طويلة عنوانها "السلاح الفلسطيني في المخيمات"، وهي رواية لم تنتهِ رغم الوعود المتكرّرة بطيّ صفحتها.

في شهر أيار الماضي، اتُّخذ قرار رسمي على مستوى الدولة اللبنانية يقضي بسحب السلاح الفلسطيني من المخيمات، ضمن الخطة الأوسع لنزع السلاح غير الشرعي في لبنان. القرار جاء عقب زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت في نهاية ذلك الشهر، على أن يبدأ التنفيذ منتصف حزيران. لكنّ التنفيذ لم يحصل. بقي القرار معلّقًا في مكان ما بين الخطط السياسية والحسابات الأمنية.

وفي النصف الثاني من آب، شوهد الجيش اللبناني على أبواب مخيّم برج البراجنة، وسط حديث عن "بدء عملية التسليم". إلا أنّ المشهد لم يُقنع أحدًا. فسرعان ما وُصفت العملية بـ"التمثيلية"، أبطالها أركان السلطة في لبنان الذين أرادوا تسجيل موقف سياسي أكثر من تحقيق إنجاز أمني.

أوساط فلسطينية أكّدت حينها أنّ ما جرى هو تسليم السلاح غير الشرعي فقط، بينما بقي ما تعتبره "سلاحًا شرعيًا" بحوزة الفصائل، ما فتح الباب مجددًا أمام التساؤلات حول تعريف الشرعية وحدودها داخل الأراضي اللبنانية.

اليوم، وبعد الجريمتين اللتين وقعتا في شاتيلا، تتعالى الأصوات من جديد للمطالبة بتنفيذ فعلي لقرار نزع السلاح، بعدما تبيّن أنّ ما جرى في آب لم يكن سوى مشهد استعراضي. فالفصائل الفلسطينية لا تزال منقسمة حيال المسألة، إذ تعارض حركتا حماس والجهاد الإسلامي أيّ تسليم شامل للسلاح، بحجّة "حقّ المقاومة".

لكنّ هذا الموقف يثير غضب الأوساط السيادية في لبنان، التي ترى أنّ الواقع تغيّر بعد ما جرى في غزّة، حيث اضطرت حماس إلى القبول بخطة ترامب للتهدئة التي تتضمّن عمليًا نزع سلاحها هناك. فكيف يُعقل أن تتخلّى الحركة عن سلاحها في غزة، وتتمسّك به على الأراضي اللبنانية؟

ما يجري في شاتيلا ليس حادثًا عابرًا ولا صدفة أمنية. إنه انعكاس مباشر لفشل الدولة في فرض سلطتها على كلّ أراضيها، ولعجزها عن تحويل القرارات السيادية إلى واقع ملموس. والنتيجة، دماء شابة تسقط على مدخل المخيم، وفتاة مجهولة الهوية تقتل داخل أزقّته، فيما تبقى الأسئلة معلّقة: من يحكم فعلاً داخل هذه المخيمات؟ وأيّ معنى يبقى للسيادة إذا كان السلاح لا يزال في أيدٍ متعدّدة؟.

يقرأون الآن