العراق

مقاطعة بوزن المشاركة.. الصدر يعيد رسم حدود النفوذ الشيعي

مقاطعة بوزن المشاركة.. الصدر يعيد رسم حدود النفوذ الشيعي

تشهد الساحة السياسية العراقية جدلاً واسعاً عقب تجديد زعيم التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري)، مقتدى الصدر، دعوته إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، في موقف أعاد خلط الأوراق داخل المعسكرات السياسية، وأثار تساؤلات حول مستقبل التوازنات داخل البرلمان المقبل.

ويتفق ستة مراقبين، تحدثوا لوكالة شفق نيوز، على أن دعوات الصدر، المدعومة بقاعدة جماهيرية واسعة ومنضبطة، قد تُحدث تراجعاً في نسب المشاركة خصوصاً في العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية، ما ينعكس على شكل الخارطة البرلمانية المقبلة ويضع القوى السياسية أمام اختبار جديد لاستعادة ثقة الشارع.

وكان الصدر قد رد أول أمس الاثنين على المنتقدين لموقفه من المقاطعة، مستشهداً بفتوى سابقة لوالده المرجع الراحل محمد محمد صادق الصدر، مؤكداً أن المشاركة في الانتخابات المقبلة "لن تُحدث تغييراً حقيقياً"، وأنه "لا يمكن معونة الفاسد على فساده".

الموقف وأبعاده

وعن موقف الصدر وأبعاده السياسية، يقول رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية والمقرب من التيار، مناف الموسوي، إن "المقاطعة التي أعلنها مقتدى الصدر ليست موجهة إلى منطقة أو محافظة بعينها، بل هي مقاطعة شاملة واستراتيجية اتخذها بعد تعرض مشروعه الإصلاحي لمحاولات إفشال داخلية وخارجية".

ويضيف الموسوي لوكالة شفق نيوز أن "الانتخابات المقبلة لن تفضي إلى تغيير حقيقي، بل ستعيد إنتاج ذات الطبقة السياسية، لذا اختار الصدر أن يعبر بموقفه عن رفض الأداء السياسي الراهن والضغط باتجاه إصلاح النظام القائم".

ويرى أن "غياب التيار الصدري قد يؤثر على شفافية ومصداقية الانتخابات، إذ إن المشاركة ستنحصر في جمهور الأحزاب التقليدية والناخبين الزبائنيين"، لكنه يستبعد أن تُغير المقاطعة كثيراً في التوازنات الكبرى.

ويوضح أن "الحديث عن زيادة مقاعد السنة من 4 إلى 5 مقاعد أمر مبالغ فيه، لأن توازن المقاعد بين القوى الشيعية والسنية سيبقى قريباً من مستوياته السابقة".

تأثير المقاطعة

من جانبه، يرى المحلل السياسي مجاشع التميمي أن "دعوات الصدر لمقاطعة الانتخابات سيكون لها أثر ملموس، خاصة في المحافظات ذات الثقل الصدري مثل النجف وميسان وذي قار وبغداد".

ويقول التميمي لوكالة شفق نيوز إن "المقاطعة ستخفض نسب المشاركة، وتكشف حجم الفجوة بين الشارع والقوى السياسية، كما ستضعف شرعية النتائج لدى جمهور واسع يرى أن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق عبر صناديق انتخاب تهيمن عليها المصالح الحزبية والمال السياسي".

ويؤكد أن "التيار الصدري لن ينسحب من المشهد، فالمقاطعة تمثل موقفاً احتجاجياً يهدف إلى الضغط من أجل إصلاح شامل، وقد تعيد تشكيل موازين القوى مستقبلاً إذا ما فُتح الباب أمام نظام انتخابي أكثر نزاهة".

خريطة جديدة

أما الباحث السياسي عائد الهلالي فيرى أن "دعوات الصدر تشكل عاملاً مؤثراً في المشهد الانتخابي، خصوصاً في المحافظات المختلطة مثل بغداد وديالى وبابل وكركوك"، مشيراً إلى أن "جمهور الصدر من أكثر القواعد السياسية التزاماً بتوجيهات زعيمه، ما يجعل تأثيره على نسب المشاركة كبيراً وواضحاً".

ويتابع الهلالي حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "استجابة جمهور الصدر للمقاطعة ستؤدي إلى انخفاض التصويت وربما إلى فقدان التوازن التقليدي بين المكونات، وقد تمنح فرصة أكبر للأحزاب الصغيرة أو المستقلة لاقتناص مقاعد جديدة نتيجة تشتت الأصوات".

ويضيف أن "غياب الصدر عن التنافس لا يعني غيابه عن التأثير، فهو يمتلك أدوات ضغط اجتماعية وشعبية قد تُستخدم لاحقاً في مرحلة ما بعد الانتخابات، ما قد يفضي إلى برلمان أكثر تشتتاً وأقل استقراراً سياسياً".

مخاوف الإطار

في المقابل، يرى مختار الموسوي، النائب في البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، أن "مقاطعة التيار الصدري ستؤثر بنسبة 100% على قوى الإطار التنسيقي (الذي يجمع القوى السياسية الشيعية الحاكمة في العراق)، خاصة في مناطق مدينة الصدر والشعب والكاظمية ببغداد، إضافة إلى المحافظات الجنوبية".

ويضيف الموسوي لوكالة شفق نيوز، أن "التمثيل السياسي للمكون الشيعي سيتأثر بشكل مباشر، ما سيحدث خللاً في الموازنة الثلاثية بين الشيعة والسنة والكورد، وهو ما يهدد بنشوء حالة عدم استقرار داخل العملية السياسية".

المعادلة السنية

بدوره يجيب محمد قتيبة البياتي النائب في البرلمان العراقي عن حزب "تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي على هذا التساؤل قائلاً إن "جمهور التيار الصدري جمهور عقائدي يلتزم بتعليمات زعيمه، وبالتالي فإن مقاطعتهم لن تصب في مصلحة المكون السني كما يتصور البعض، بل ستكون خسارة للعملية السياسية برمتها".

ويضيف البياتي لوكالة شفق نيوز أن "التيار الصدري يمتلك قاعدة كبيرة تؤثر على المشهد، وغيابه يعني فقدان رافعة مهمة للشرعية الشعبية والتمثيل المتوازن".

أما الباحث في الشأن السياسي عبد القادر النايل فيرى أن "دعوات الصدر سترفع نسبة المقاطعة العامة لدى جميع المكونات، بما فيها المكون السني الذي يعاني أصلاً من ضعف المشاركة".

ويشير النايل خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "نظام المحاصصة الذي تأسس منذ مجلس الحكم حدد مسبقاً نسب التمثيل، بحيث يحصل السنة على نحو 90 مقعداً و6 وزارات، بغض النظر عن حجم المشاركة الفعلية، ما يعني أن مقاطعة الصدر لن تمنحهم مقاعد إضافية، بل قد تؤدي إلى خسارة بعض المقاعد لصالح القوى المسلحة وقوائم موالية للإطار التنسيقي".

انسحاب الصدر

وكان الصدر، قد أعلن في آذار/ مارس الماضي، عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة، معللاً ذلك بوجود "الفساد والفاسدين"، فيما بين أن العراق "يعيش أنفاسه الأخيرة".

وقرر الصدر، في حزيران/يونيو 2022 الانسحاب من العملية السياسية في العراق، وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين"، بعد دعوته لاستقالة جميع نوابه في البرلمان والبالغ عددهم 73 نائباً.

وكانت الكتلة الصدرية قد تحصلت على أعلى الأصوات في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2021، إلا أن مساعي زعيم التيار أخفقت في تشكيل الحكومة الجديدة جراء وقوف الإطار التنسيقي الشيعي بوجهها من خلال استحصال فتوى من المحكمة الاتحادية بما يسمى الثلث المعطل في عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الممهدة لتسمية رئيس مجلس الوزراء.

يقرأون الآن