في جلسة نقاشية فتحت ملفاً شائكاً وحساساً في صناعة الدراما العربية، وضع الفنان القدير أيمن زيدان يده على الجرح معبراً بمرارة: "باستثناء مصر، كل الدول العربية تهمِّش الفنان عندما يتقدم بالعمر." هذه الكلمات القاسية شكّلت افتتاحاً لندوة حامية أدارها الإعلامي جمال فيّاض خلال المنتدى الإعلامي العربي الـ ٢١ الذي يقام في بيروت، وكشفت هذه الندوة عن التضارب بين متطلبات السوق التي يمثلها المنتج، وبين قيمة الخبرة التي يطالب بها الفنان.
المنتج بين "نبض السوق" ومتطلبات الربح
استهل النقاش بسؤال للمنتج صادق الصباح حول مدى انجرار شركات الإنتاج خلف "التريند" السائد. أكد الصباح أن شركته لا تسعى لمجاراة الموجات العابرة بحد ذاتها، ولكنها تسترشد بـ "نبض السوق" و "ذوق الجمهور" كمقياس أساسي للنجاح، معتبراً أن اختيار النجم يمثل الركيزة الأولى لأي عمل.
كما أشار الصباح إلى أن 90% من الأعمال الإنتاجية تتجه نحو موسم رمضان. ولفت الانتباه إلى مفارقة واضحة من مسلسلات قُدِّمت بقيمة فنية عالية وكلفة إنتاجية كبيرة، مثل "تاج" و "الزند"، لم تحقق النجاح التجاري المتوقع، مما يضع صناع القرار أمام تساؤل: هل يجب تقديم القيمة الفنية المطلوبة، أم التركيز على العمل الذي يضمن تحقيق الأرباح؟
صرخة أيمن زيدان.. تهميش الخبرة وإلغاء التاريخ
شهد النقاش نقطة تحوّل مؤثرة بمداخلة الفنان أيمن زيدان الذي وصف وضع الفنانين الكبار في الساحتين السورية واللبنانية، حيث تقلّص دورهم وأصبح يقتصر على "حضور خفيف ولطيف". مؤكداً على الاستثناء المصري الذي لا يزال يحافظ على مكانة وقيمة الفنان صاحب التاريخ الطويل.
وعندما طُرحت فكرة ميل الجمهور للوجوه الجديدة، رد زيدان بوضوح حول دور الترويج الكثيف في تشكيل الذوق العام:
أيمن زيدان: "عندما كان الراديو يضع أغنية معينة ٢٠ مرة خلال ٢٤ ساعة،نصبح نردد هذه الأغنية دون تفكير ونريد الاستماع إليها أكثر.”
كما عبّر زيدان عن استغرابه من تحوّل معايير تقييم الفنانين ذوي الخبرة، متسائلاً عن المنطق الذي يفرض على فنان يمتلك "50 سنة عمل" أن يأخذ أدوار ثانوية إلى جانب الأبطال بالوجوه الجديدة . تلخص هذه الصرخة مشكلة تقييم الفنان بناءً على "قدرته على تحقيق المبيعات" بدلاً من "قيمته الفنية وتاريخه".
 الدراما الأردنية.. اللوم على سوء الإدارة وجرأة المنصات
تناول النقاش في جزئه الأخير غياب الدراما الأردنية، حيث كانت إجابة النجم الأردني زهير النوباني "صادمة ومباشرة"، إذ أرجع المشكلة إلى "سوء الإدارة" من قبل المسؤولين عن الشأن الفني والثقافي، مشيراً إلى أنهم لا يمتلكون الخلفية اللازمة لفهم دور الفن.
تدخّل المنتج صادق الصباح مجدداً، وأشار بنبرة أمل إلى نجاح مسلسل "مدرسة الروابي" على منصة "نتفليكس". وأكد الصباح أن العمل حقق نجاحه لأنه كان "حقيقياً وجريئاً" ومطروحاً "بحرية". هذا يؤكد أن الأعمال التي تُقدم بصدق وحرية، بعيداً عن القيود الإدارية، يمكنها أن تصل وتنجح عالمياً.
خلاصة المنتدى.. خلاف يُثري
تؤكد هذه الجلسة على وجود تباين حاد في صناعة المحتوى العربي: بين منتج يركز على النجاح التجاري والنجم الذي يضمن الأرباح، وفنان يطالب باحترام القيمة الفنية والتاريخ.
وفي ختام الجلسة، وخلال حديث خاص، أكد الإعلامي جمال فيّاض على الأهمية القصوى لهذا المنتدى، مشدداً على أن وجود اختلاف في الأفكار وتبادل الآراء الحادة هو جوهر وجوده. وتساءل فيّاض، مستنكراً: "وإلا لماذا هناك منتدى إعلامي عربي يجمع الجميع؟" ليؤكد بذلك أن الهدف من هذه التجمعات هو فتح آفاق للحوار والاعتراف بالتحديات المختلفة في المشهد الفني العربي.



 
 