اثنان وثمانون عاما مرّت على استقلال لبنان دون ان يتمكن اللبنانيون لا بل المسؤولون من بناء دولة فعلية بعد أن باعوا الوطن تحقيقا لمصالحهم الخاصة، وضمان استمرارهم في التحكم برقاب البلاد والعباد، وجعلوا من 10452 كلم مربع ساحة مستباحة لتصفية الحسابات الكونية، وشرّعوا الأبواب امام العواصف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وافتعلوا الحروب المتتالية التي حوّلت البلد الى أشلاء متناثرة حتى يمكن القول انه لم يبقَ من البلد واستقلاله سوى الذكرى.
المناسبة ثقيلة على لبنان واللبنانيين لأنه بعد 82 عاما، وبعد أثمان باهظة دفعتها الاجيال المتلاحقة لبناء دولة حديثة، قوية، عادلة، ذات سيادة، تخضع لسلطة المؤسسات الرسمية، تسودها الشفافية واحترام القانون الذي يؤمن العدالة لكل المواطنين، يجدون أنفسهم في دوامة مستمرة وحقيقة مرّة واحدة، من الأجداد الى الابناء وصولا الى الاحفاد: بلد يبيعه حكامه بأرخص الاسعار ليحققوا مصالحهم ومكاسبهم على حساب الوطن وأهله.
في الذكرى الـ82 للاستقلال، يقف لبنان عند مفترق طرق وسط تغييرات تاريخية في المنطقة، وهو اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: اما الصعود في القطار المتجه نحو تحقيق السلام أو الاستمرار في الغرق حتى القعر. ورغم ان العهد الجديد يحاول الانقاذ، ويناشد المجتمع الدولي دعمه لاستعادة مقومات الدولة الا انه يبقى مكبلا، وغير قادر على تنفيذ القرارات الحكومية المتخذة خصوصا في قضية حصرية السلاح التي تعتبر الاهم والخطوة الاساسية نحو بناء الدولة.
وفيما يوجه رئيس الجمهورية جوزاف عون في الثامنة من مساء اليوم رسالة إلى اللبنانيين في الذكرى الـ82 لاستقلال لبنان، تردّد أنها تحمل مفاجأة من دون الافصاح عنها، يجد المواطنون أنفسهم أمام أسئلة قاسية وصعبة وربما باتوا على قناعة انهم لن يحصلوا على الاجابة الصريحة والواضحة: لماذا على مدى السنوات الطويلة لم نتمكن من بناء الدولة؟ وعن أي استقلال نتحدث طالما اننا لم ننجح في استرداده سوى في الاتفاقيات على الورق؟
الوزير والنائب السابق بطرس حرب أشار في حديث لموقع "وردنا" الى ان الشعب اللبناني لا يدرك أهمية قيام الدولة والانتماء اليها. المؤسف ان بعض اللبنانيين يعتبرون ان مصالحهم الشخصية أو الحزبية أو الطائفية أو المذهبية أهم من انتمائهم الى الوطن. وهذا السبب الاساسي الذي يمنع قيام الدولة. الطريقة الوحيدة لاسترداد الدولة الفعلية السيادية أن يمارس اللبناني دوره، ويأخذ بعين الاعتبار ان لديه واجبات تجاه دولته لأن في يده قيام الدولة أو تدميرها لصالح مصالحه الشخصية والفئوية.
وشدد على انه بعد التجارب الطويلة، آن الأوان أن يقوم من أوصل البلد الى ما هو عليه، بنوع من النقد الذاتي لسياسته وتوجهاته وانتماءاته. هذه الوسيلة الانجح للخروج من أسر الشعارات التي تجعلهم غير قادرين على اتخاذ أي خطوة ايجابية. علينا الخروج من فكرة ارضاء الرأي العام بالشعارات في وقت يتدمر فيه الوطن، والتفكير وطنيا وبمصلحة لبنان واللبنانيين.
وتحدث حرب عن بعض الامور التي يجب أن تتوافر لبناء دولة فعلية، ومنها: أن نؤمن بالدولة والوطن الذي ننتمي اليه، ويكون الولاء لهذا الوطن وليس لسواه. اذا كان الولاء لأي دولة أخرى أو لأي عقيدة نكون ندمر لبنان بأيدينا. وانا أؤمن بدور المواطن ووععيه لأنه اذا مارس حقوقه وواجباته تجاه الدولة بالشكل المطلوب والملائم لسنا بحاجة لأحد، وحينها لا يمكن لأي طرف التدخل في السياسة التي نرسمها. لكن، اذا أراد اللبناني أن يبيع نفسه ليحقق المصالح الخاصة، يُستحيل حينها بناء الدولة. كما ان المطلوب تطبيق القانون والدستور الذي ينص على ان لا قيام للدولة الا اذا كان هناك سلطة شرعية واحدة تحكم باسم الشعب اللبناني. وبوجود السلطات الاخرى، نكون ندمر بلدنا. وبالتالي، أعتقد ان امامنا مسار طويل نحو بناء الدولة، لكن لا بد من الانطلاق من مكان لأنه اذا لم نبدأ ببناء الدولة لن نعيش بسلام وأمان وكرامة وطنية. الشعارات لا تبني الأوطان. الافعال والصدق والايمان بدولة لبنان، الطريق الوحيد نحو بنائها. لا يجوز أن نفقد الامل، ولا بد ان نستفيد من الظروف كما لا بد من أضلّ الطريق ان يعود الى وطنه.
اما الوزير السابق رشيد درباس، فاعتبر ان لدينا دولة رسمية، لكن ينقصها الارادة والجرأة والشجاعة لنحوّلها من دولة رسمية الى دولة فعلية. ورغم ذلك، أفضل ما حققناه هو لبنان الكبير الذي لا يزال موجودا رغم كل الاحداث، لكن من الضروري أن يصبح أهله على قدر المسؤولية. لذلك، هناك تعويل على العهد الجديد الذي يجب أن يستثمر في هذه المرحلة، ويبسط سلطة الدولة حيث أمكن، وهكذا يصبح لدينا استقلال حقيقي ودولة حقيقية.
ورأى ان أهم ما في الدولة اليوم، وجود السلطات والجيش الذي يقوم بالواجب، معتبرا ان السلاح عرضي وزائل والدولة حقيقة راسخة. أنا متفائل بمستقبل لبنان وبقيام دولة فعلية.


