في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وُقِّع اتفاقٌ لوقف النار بين لبنان وإسرائيل في ظلّ حرب طاحنة هدفُها ضربُ حزب الله عسكرياً وإخراجه من الخدمة القتالية لضمان أمن إسرائيل. وقد حقّق هذا الاتفاق عملياً هذا الهدف إلى حدّ ما، بالرغم من كل ما يُقال عن تعافي الحزب واستعادة قوّته وعودة الحديث عن توازن الردع من قبل مسؤولي الحزب أنفسهم.
لم تكن حرب 2024 مجرّد نزهة عابرة، سواء لجهة تداعياتها على لبنان أو على الحزب بصورة خاصّة، نظراً للخسائر التي مُني بها على المستويين السياسي التنظيمي والعسكري. ولم يكن أمام الأمين العام نعيم قاسم آنذاك سوى اللجوء إلى الرئيس نبيه برّي، "الأخ الأكبر"، للقيام بما يلزم لوقف الحرب، بالرغم من أنّ الاتفاق لم يكن مثالياً، وربما ما يعيشه الحزب حتى هذه اللحظة هو نتيجة تداعيات اتفاق وافق هو نفسه عليه. فقد تحكّمت إسرائيل بالمجال الجوي اللبناني كاملاً كما يحلو لها، وبات أيّ هدف مُباحا لها وفقا للاتفاق ذاته.
سنة مرّت على اتفاقٍ كرّس هزيمة حزب الله عسكرياً، وبات عاجزا عن القيام بأيّ ردّ عسكري يُذكَر، بالرغم من الضربات التي لا تزال تُصيب جسمه التنظيمي، وكان آخرها استهداف رئيس الأركان هيثم علي الطبطبائي. فمع حلول الذكرى السنوية للاتفاق، هل بات الحزب بحكم المترنّح؟
يشرح العميد المتقاعد فادي داوود لـ"وردنا" موقفه من إمكانيّة صمود وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، مشيراً إلى أنّه، تاريخيا، لم يصمُد أيّ اتفاق أُبرم بين لبنان أو بين الحزب بصورة خاصّة وإسرائيل. فمنذ اتفاق 1701 في عام 2006، لم يُحترَم الاتفاق، كما أنّ جميع التفاهمات التي عُقدت في الآونة الأخيرة بين الحزب وإسرائيل باتت غير قابلة للصمود.
ويشير داوود إلى أنه لم تعد هناك أيّ نيّة لصمود الاتفاق، باعتبار أنه لم تعد هناك مصلحة في بقاء أي اتفاق. فعلى الرغم من دعوة الرئيس جوزاف عون إلى التفاوض، سواء المباشر أو غير المباشر مع إسرائيل، إلّا أنّ هذه الدعوة تُواجَه بتجاهلٍ مطلق.
ويرى داوود أنّ الإسرائيلي لا يريد التفاوض، بل يسعى إلى تطبيق نموذج يستند إلى استراتيجية عمل اعتمدها في غزّة، والتي يَعتبر أنها نجحت، وعنوانها الأساسي: الضربة قبل التفاوض أو الإخضاع قبل التفاوض، وتشكّل حماس النموذج الأبرز لهذه الاستراتيجية.
أمّا اتفاق وقف النار، فيؤكّد العميد المتقاعد فادي داوود أنّ معظمه غامض ولا نعرف عنه الكثير. فمنذ صدوره، أثار الاتفاق جدلاً واسعاً، إذ تحتوي بنوده على نقاط غير واضحة، وقسم كبير منها لم يطّلع عليه المسؤولون أنفسهم، وهو أمر يعرفه الجميع، ما يجعل آلية الحكم على الاتفاق مبهمة تماماً.
ويضيف داوود أنّ وقف إطلاق النار قائم عملياً من طرف واحد فقط: الحزب أوقف النيران، بينما تواصل إسرائيل اعتداءاتها واغتيال قياداته واستهداف مراكزه من دون أي ردّ، بسبب غياب قرار الرد وعدم القدرة على الرد أيضاً. وبناءً على هذا الواقع، فإن الاتفاق لا يُعدّ صامداً أصلاً ليُقال إنه انهار.
ويشدّد داوود على أنّ إسرائيل تتخطّى المراحل، من اتفاق 1701 وصولاً إلى اتفاق وقف النار الأخير، متجاوزة كل مرحلة كلّما ربحت جولة جديدة.
وعلى صعيد خسائر الحزب جراء الاتفاق، يختتم داوود حديثه لـوردنا بالقول إن إسرائيل استهدفت القيادات والمسؤولين بحوالي 400 هدف، دون أن يقدّم الحزب أي ردّ. من هنا يطرح داوود السؤال المحوري: هل ما زال الحزب قادراً على الرد؟ وإذا كان الصبر الاستراتيجي أداة، فما مدى قدرته على الاستمرار فيه، وما البدائل المتاحة؟
ويشدّد داوود على أنّ الاستهداف لم يقتصر على المقاتلين في الصفوف الأولى، بل شمل الرؤوس القيادية بالكامل؛ فالمجلس الجهادي استُهدف برمته، كما باقي المجالس القيادية، إضافة إلى غالبية قيادات الصفوف الأول والثاني والثالث.


