نقلت صحيفة "الغارديان" عن مصادر مطّلعة على الخلافات المتعلقة بالتسجيلات العلنية والسرية للاجتماعات أنّ عناصر إسرائيلية تقوم بعمليات مراقبة واسعة النطاق تستهدف القوات الأميركية وحلفاءها المتمركزين في قاعدة أميركية جديدة في جنوب البلاد.
ووفق الصحيفة، فإن حجم عمليات جمع المعلومات داخل "مركز التنسيق المدني العسكري" (CMCC) دفع قائد القاعدة الأميركية، الفريق باتريك فرانك، إلى استدعاء مسؤول إسرائيلي وإبلاغه بأن "التسجيل يجب أن يتوقّف هنا".
كما ذكرت المصادر أنّ موظفين وزوارًا من دول أخرى أثاروا مخاوف مماثلة بشأن قيام إسرائيل بتسجيل ما يجري داخل المركز، موضحة أن بعض الحاضرين طُلب منهم تجنب مشاركة معلومات حساسة خشية جمعها واستغلالها.
وأضافت الصحيفة أنّ الجيش الأميركي رفض التعليق على أنشطة المراقبة الإسرائيلية، في حين رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على طلب فرانك بوقف التسجيل، مشيرًا إلى أن النقاشات داخل المركز غير مصنفة سرّية، قائلاً في بيان: "الادعاء بأن الجيش الإسرائيلي يجمع معلومات استخباراتية عن شركائه في الاجتماعات التي يكون مشاركًا فيها هو ادعاء سخيف".
وتابعت "الغارديان" أن مركز CMCC أُنشئ في تشرين الأول/ اكتوبر بهدف متابعة وقف إطلاق النار، وتنسيق المساعدات، ووضع خطط لمستقبل غزة ضمن خطة النقاط الـ20 التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب، مشيرةً إلى أنّ نسخًا كبيرة من هذه الوثيقة معروضة داخل المبنى.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ الجنود الأميركيين المكلّفين بدعم زيادة الإمدادات إلى غزة اكتشفوا سريعًا أن القيود الإسرائيلية على دخول السلع تشكّل العقبة الأكبر، وليس التحديات اللوجستية، ما دفع عدة عشرات منهم إلى المغادرة خلال أسابيع.
وقالت الصحيفة إنّ دبلوماسيين أكدوا أن النقاشات داخل المركز كانت ضرورية لإقناع إسرائيل بتعديل لوائح السلع المحظورة أو المقيّدة بحجة "الاستخدام المزدوج"، والتي تشمل مواد أساسية كأعمدة الخيم ومواد تنقية المياه، في وقت ما زالت فيه سلع أخرى مثل الأقلام والورق محظورة من دون تفسير.
وكشفت "الغارديان" أنّ المركز يضم مخططين عسكريين من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى بينها بريطانيا والإمارات، إضافة إلى دبلوماسيين ومنظمات إنسانية، لكن من دون أي تمثيل فلسطيني لا من المؤسسات المدنية والإنسانية ولا من السلطة الفلسطينية سواء داخل المركز أو في الاجتماعات.
وقالت المصادر إنّ محاولات إشراك فلسطينيين عبر مكالمات فيديو كانت تُقطع مرارًا من جانب مسؤولين إسرائيليين، فيما تتجنب وثائق التخطيط العسكري الأميركي استخدام مصطلحي "فلسطين" و"الفلسطينيين"، وتستبدلهما بتسمية "غزّيين".
وأشارت الصحيفة إلى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو صوّر المركز على أنه مشروع أميركي – إسرائيلي، متجاهلًا بقية الشركاء، إذ أظهرت صور زيارته الرسمية وجود إسرائيليين وأميركيين فقط.
وبيّنت "الغارديان" أنّ المركز يقع في مبنى صناعي بمدينة كريات غات بالقرب من غزة، وكان يُستخدم سابقًا من قبل "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تحولت مراكز توزيعها لاحقًا إلى مواقع خطرة قُتل فيها مئات الفلسطينيين، فيما لا تزال بعض منتجاتها مكدّسة في الطابق السفلي.
ووصفت الصحيفة البيئة داخل المركز بأنها أشبه بـ"شركة ناشئة ديستوبية"، حيث جرى فرش القاعة الرئيسية بالعشب الصناعي، ونُصبت ألواح بيضاء لتقسيم المساحات إلى مواقع اجتماع تجمع جنودًا بدبلوماسيين وعمال إغاثة، وتتداول داخلها مصطلحات من عالم الشركات الأميركية، مثل وصف الفلسطينيين بـ"المستخدمين النهائيين"، واعتماد عناوين مثل "أربعاء التعافي" للمستشفيات و"خميس العطش" للخدمات العامة.
وأشارت "الغارديان" إلى أن العديد من الدبلوماسيين وعمال الإغاثة ينظرون بحذر إلى المركز، بسبب مخاوف تتعلق بالقانون الدولي، واستبعاد الفلسطينيين من التخطيط لمستقبلهم، وغياب تفويض دولي، وخلط الطابع العسكري بالإنساني.
لكن بعضهم يرى، بحسب الصحيفة أن الغياب الكامل يترك إدارة مستقبل غزة لإسرائيل والمخططين الأميركيين الجدد، الذين يفتقرون إلى فهم كافٍ للسياق الغزّي.
وقال أحد الدبلوماسيين للصحيفة: "لسنا متأكدين من مقدار الوقت والطاقة التي يجب استثمارها، لكن هذه هي الفرصة الوحيدة ليُصغي الأميركيون لوجهات نظرنا".


