خاص - بشوارع خالية وجيوب خاوية.. رمضان يطِل على اللبنانيين!

بجيوبٍ خاويةٍ، حلّ شهر رمضان هذه السنة في لبنان، في ظلّ أزمة إقتصادية خانقة، حرمت اللبنانيين أبسط لوازم الحياة ومتاعها. ومع الإرتفاع الجنوني لأسعار السلع العذائية، وإنخفاض القدرة الشرائية، باتت الموائد الرمضانية تقتصر على الأساسيات وبحسب الإمكانيات المادية لكل فرد.

بعد أن كان طبق الفتوش، زينة مأدبة الإفضار، أمسى اليوم عبئاً، إذ أصبح سعر الخسة الواحدة، ما يقارب مئة ألف ليرة، فكيف أمكن لمواطن يتقاضى راتبًا زهيدًا، أن يتمكن من تأمين سعر الطبق؟

في جولة لموقع "وردنا" في شوارع بيروت للإطلاع على حال الأسواق، عبرت سيدة لبنانية، في الأربعينيات من عمرها عن غضبها قائلة: "لا حسيب ولارقيب، الأسعار جنونية، لم يعد بإمكاني شراء شيء، لقد استغنينا عن اللحوم سابقاً وسنستغني عن الخضروات لاحقاً، وربما عن الهواء أيضًّا، حتى أنه لن يبقى لنا سوى رحمة الله تعالى".

وأضافت" لا يتجاوز راتبي سبعة ملايين ليرة، هذا المبلغ بالكاد يسمح لي بشراء الحد الأدنى من المواد الغذائية، من حبوب وخضار".

حال هذه السيدة، كحال جميع المواطنين، الذين لجأوا إلى بدائل أقل تكلفة، تماشيًّا مع الوضع المذري الذي آلت إليه البلاد.

الفرق بين سوبرماركت وأخرى..دولارًا!

تأثرت أسعار السلع في السوبرماركات بالتقلبات الحادة لسعر صرف الدولار، وأصبح الحديث عن أسعار السلع "صدمة متواصلة"، فكل يوم إرتفاع جديد، ما يثير الذعر في نفوس الناس العاجزين عن مواكبة الوضع.

يشكو مازن، رجلٌ خمسيني، من الفروقات في الأسعار وتفلّتها، مشيرًّا إلى أن شراء المواد والسلع الغذائية، أضحى "مهمة شاقة أتكبدها أسبوعيًّا، بحثًّا عن الأرخص".

توافقه حنان الرأي، وهي إم لثلاث بنات، تذهب للتبضع كعادتها، فتعود ببعض الأكياس وكثيرٍ من خيبات الأمل، تحاول ان تشرح لنا باستغراب الإختلاف في الأسعار بين سوبرماركت وأخرى، وتقول مندهشة " إشتريت البارحة كيسًّا من السكر بـ ٢٢٠ ألف ليرة، لأتفاجأ لاحقًا بشراء زوجي لكيس السكر نفسه، بـ ١٢٨ ألف ليرة من محل آخر، أي أن الفرق بين سوبرماركت وأخرى، أصبح يعادل دولارًا".

وفي الباحة الخارجية، تجلس أُم هادي، أمام متجرها المتواضع، وتتحدث عن النقص الذي يعاني منه، فلم يكن بإستطاعتها تأمين لوزام هذا الشهر المبارك، وبحرقة تقول" لا جلاب هذه السنة، ولاتمر، يوجد الخبز فقط!".

وتشير إلى أنَ التجار يتعاملون معها بالدولار الأميركي، في حين أنّها لم تستطع أن تسعر بالدولار داخل متجرها، نظرًا لعدم قدرة الناس على تحمل رؤية أرقامٍ صغيرة باتت توازي جميع ما يملكونه في محفظتهم.

لا يوجد "كلاج" هذه السنة…

إن كان هذا واقع الحال مع الخضروات والمواد الغذائية الأساسية، فإن متاجر الحلويات تبدو شبه خالية، بعد أن كانت تشهد تهافتًا خلال هذا الشهر، وباتت تنتظر من لديه القدرة المادية على تزيين إفطاره بما تيّسر من الأطايب، إن وجدت أصلاً.

فعلى سبيل المثال، تشير بعض المتاجر إلى عدم قدرتها على صنع "كلاج رمضان"، نظرًّا للغلاء الفاحش بأسعار الزيت.

وفي ظل هذا الوضع المعيشي الصعب، لم يتستغنِ المواطن عن بعض أنواع الطعام والشراب فقط، بل بدأ يتخلى عن عادات خاصّة بالشهر الفضيل، كتبادل أصناف من الطعام بين الأقارب والجيران، فبالكاد يتمكن اللبناني اليوم من تأمين قوت يومه.

من إقتصاد "سوق" إلى إقتصاد "سوء"

ومع إستمرار نزف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، يبدو ان الأمور تتجه نحو الأسوأ، وفي هذا الإطار يشرح الخبير الإقتصادي أحمد حابر، في حديث لـ"وردنا"، إلى أن نسبة التضخم أصبحت مرتفعة، و"دخلنا مرحلة التضخم المفرط"، لافتًّا إلى أن أسباب عديدة ساهمت في الوصول إلى هذا الواقع، لعل أبرزها "إنهيار سعر صرف العملة أمام اللدولار، إضافة إلى كلفة الطاقة والنقل والمحروقات".

وتابع جابر "إقتصادنا هو إقتصاد سوق، إلا أنه تحول إلى إقتصاد سوء، نظرًا لعدم وجود أي ضوابط ورقابة عليه"، في حين أن وزراة الإقتصاد يكمن دورها في مراقبة الأسعار "إلاَ أنها غائبة عن السمع"، وعن الخط الساخن للشكاوى، "فحدّث ولا حرج".

حلّ شهر رمضان هذه السنة مثقلًا بالحرمان والغلاء، فالأزمة الاقتصادية وما يرافقها من أزمات سياسية واجتماعية، جعلت من دول العالم تحذر من مخاطر الاستمرار في هذا الوضع، لأن ما هو أسوأ بعد قد يأتي، تحذير وصل الى قلب وجيب اللبنانيين، ولم يبق لهم سوى الدعاء أن يحمل لهم الشهر المبارك مفاتيح الأمل بمستقبل أفضل. 


يقرأون الآن