تجدد القتال في السودان في وقت متأخر من يوم أمس الثلاثاء، على الرغم من إعلان الطرفين المتحاربين، عن إلتزامهما بوقف إطلاق النار، وذلك في الوقت الذي أشار فيه مبعوث من الأمم المتحدة إلى أن "الهدنة صامدة في بعض الأماكن إلا أنه لا توجد مؤشرات على استعداد أي من الجانبين للتفاوض بجدية".
وأعلن والي ولاية الجزيرة جنوب شرقي السودان اسماعيل عوض الله، عن حالة الطوارئ في الولاية لمدة شهر.
ووافق كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة اعتبارا من يوم أمس الثلاثاء بعد مفاوضات توسطت بها الولايات المتحدة والسعودية. لكن، أفيد عن سماع دوي إطلاق نار وإنفجارات بعد حلول الليل في مدينة أم درمان، الواقعة قبالة العاصمة الخرطوم على الجانب الآخر من النيل حيث استخدم الجيش، الطائرات المسيرة لاستهداف مواقع قوات الدعم السريع.
واستخدم الجيش، الطائرات المسيرة أيضا في محاولة لإبعاد مقاتلي قوات الدعم السريع عن مصفاة تكرير في بحري، المدينة الثالثة الواقعة عند التقاء النيلين الأبيض والأزرق.
وأعلنت وزارة الداخلية السودانية في بيان، أن "قوات الدعم السريع إقتحمت 5 سجون وأطلقت سراح نزلاء في الفترة من 21 إلى 24 نيسان"، واضافت: "قوة من الدعم السريع اقتحمت سجن كوبر مما تسبب في مقتل وجرح عدد من منسوبي إدارة السجون واستطاعت إطلاق سراح جميع النزلاء".
مقتل أميركي ثان
وقال البيت الأبيض اليوم الأربعاء، إن أميركيا ثانيا لقي حتفه في السودان وأن الولايات المتحدة تقدم المساعدة لعدد صغير من الأميركيين الراغبين في مغادرة البلاد في ظل الاشتباكات المستمرة على الرغم من تراجع العنف بشكل كبير على ما يبدو.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض جون كيربي للصحافيين إن إدارة الرئيس جو بايدن تواصل العمل مع طرفي الصراع لتثبيت وقف إطلاق النار من أجل السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية.
وأردف قائلا "نناشد كلا من الفصيلين العسكريين" الالتزام بوقف إطلاق النار "وتمديده" مضيفا أن "مستويات (العنف)... يبدو بشكل عام أنها انخفضت كثيرا".
وأضاف "المستويات تراجعت لكننا نريد أن نرى المستويات عند الصفر".
الوضع الصحي
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس إن المنظمة تتوقع المزيد من الوفيات في السودان بسبب تفشي الأمراض ونقص الخدمات الضرورية في ظل القتال العنيف، مشيرا الى أن 16في المئة فقط من المرافق الصحية تعمل في البلد.
وأضاف: "تتوقع منظمة الصحة العالمية المزيد من الوفيات بسبب تفشي الأمراض ونقص الغذاء والمياه وتعطل الخدمات الصحية الضرورية بما في ذلك التطعيم".
وتسببت الضربات الجوية والمدفعية في مقتل 459 شخصا على الأقل، وإصابة أكثر من 4000 آخرين وتدمير مستشفيات والحد من توزيع المواد الغذائية في الدولة الشاسعة التي يعتمد ثلث سكانها البالغ عددهم 46 مليون نسمة بالفعل على المساعدات الإنسانية.
ووصف أجانب يفرون من الخرطوم جثثا متناثرة في الشوارع ومبان تحترق ومناطق سكنية تحولت إلى ساحات قتال وشبان يتجولون بمدى (سكاكين) كبيرة.
أتراك يصلون إلى اسطنبول
أظهرت لقطات من تلفزيون "رويترز"، أن الدفعة الأولى من المواطنين الأتراك الذين جرى إجلاؤهم من السودان قد عادت إلى تركيا، اليوم الأربعاء، مع وصول أكثر من 100 شخص في الطائرة إلى مطار إسطنبول.
ألمانيا: إكتمال مهمة الإجلاء
وأعلنت وزارة الدفاع الألمانية، على تويتر، إكتمال مهمة الإجلاء من السودان، وأنه جرى نقل أكثر من 700 شخص إلى خارج البلاد بينهم نحو مئتي مواطن ألماني.
الصين: نعمل على إجلاء نحو 800 شخصاً
وقالت وزارة الخارجية الصينية، إنها تعمل على "على نقل وإجلاء نحو 800 صيني من السودان"، وأضافت إنه "تم إجلاء أكثر من 300 شخص إلى الدول المجاورة برا".
بريطانيا: إجلاء ما يتراوح بين 200 و300 شخص
أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن البلاد أجلت 391 شخص جوا من السودان وتأمل في استكمال ثماني رحلات إجلاء بنهاية اليوم الأربعاء مع وصول أول مواطنين تم إنقاذهم لمطار ستانستيد بلندن.
وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس لمجلس الأمن الدولي أمس:"يبدو وقف إطلاق النار، صامدا في بعض المناطق حتى الآن"، لافتا في الوقت عينه إلى أن " الطرفين لا يبديان استعدادهما للتفاوض بجدية، وهو ما يشير إلى أن كلا منهما يعتقد أن بإمكانه تحقيق نصر عسكري على الآخر".
وشدد على أن "هذه حسابات خاطئة"، مؤكدا أن" أن مطار الخرطوم عاد الى العمل، لكن مدرج الطائرات قد تضرر".
ومنذ أن اندلعت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل الجاري، لجأت قوات الدعم السريع إلى الأحياء السكنية، ويحاول الجيش استهدافهم من الجو. وعرقلت الحرب انتقال السودان إلى حكم ديمقراطي مدني.
وأدى الصراع إلى تحول مناطق سكنية إلى ساحات حرب. وتسببت الضربات الجوية والقصف المدفعي في مقتل 459 شخصا على الأقل وإصابة ما يزيد على أربعة آلاف آخرين وتدمير مستشفيات، والحد من توزيع المواد الغذائية في بلد يعتمد ثلث سكانه البالغ عددهم 46 مليون نسمة، على المساعدات.
وتحدث مسؤول في مركز الرومي الطبي في أم درمان عن " قذيفة أصابت المستشفى أمس الثلاثاء، وانفجرت داخله ما أدى إلى إصابة 13 شخصا".
تخوف من عودة البشير
أذكى الجيش هذه المخاوف بتأكيده نقل البشير (79 عاما) من سجن كوبر في الخرطوم إلى مستشفى علياء عسكري مع خمسة على الأقل من مسؤولي نظامه السابق، قبل اندلاع القتال في 15 نيسان/أبريل.
وفي علامة أخرى على تدهور الوضع الأمني، أكد الوزير السابق أحمد هارون، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، إنه سُمح له ولمسؤولين آخرين بمغادرة سجن كوبر.
وأفاد مصدران بمستشفى عسكري بالعاصمة السودانية، بأن "البشير نُقل من سجن كوبر إلى المستشفى قبل إندلاع القتال العنيف في 15 نيسان/ أبريل".
وكانت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قد اتهمت البشير بارتكاب إبادة جماعية، كما اتهمت هارون بتنظيم ميليشيات لمهاجمة المدنيين في دارفور في عامي 2003 و2004. ورفضت المحكمة الجنائية الدولية التعليق على نقل البشير وهارون وحسين من السجن
وبدورها، اعتبرت قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي، إن "بيان أحمد هارون، دليل على أن النظام المعزول يقف خلف الحرب في السودان"، مشيرة إلى أن "خروج قادة النظام المعزول من السجن يعني زيادة اشتعال الحرب".
مخاطر بيولوجية
من ناحية أخرى، أفادت منظمة الصحة العالمية إن "أحد طرفي الصراع سيطر على منشأة صحية حكومية في الخرطوم"، وعبّرت عن مخاوفها من "مخاطر بيولوجية محتملة بسبب مسببات الحصبة والكوليرا الموجودة في مخازن المستشفى".
وأثار نزوح موظفي السفارات ومنظمات الإغاثة من السودان، مخاوف من تعرض المدنيين غير القادرين على مغادرة البلاد لخطر أكبر إذا انهارت الهدنة الهشة، ومدتها ثلاثة أيام تنتهي يوم غد الخميس.
وقالت متحدثة باسم البيت الأبيض أمس:" فريق الأمن القومي التابع للرئيس الأميركي جو بايدن مستمر في الحديث مع القادة العسكريين المتناحرين في السودان للعمل من أجل إنهاء القتال وتقديم الدعم الإنساني".
وأصابت الاشتباكات، المستشفيات ومرافق أساسية أخرى بالشلل، وأجبرت العديد من الأشخاص على البقاء في منازلهم في ظل نقص إمدادات الغذاء والمياه.
ومع انتشار الجثث في الشوارع، لفتت منظمة "أطباء بلا حدود" إلى إنها لم تتمكن من إدخال إمدادات جديدة إلى السودان.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن "نقص الغذاء والماء والدواء والوقود أصبح شديدا للغاية مع ارتفاع أسعار السلع. واضطر المكتب لتقليص أنشطته لأسباب تتعلق بالسلامة".
وتوقعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن "يفر مئات الآلاف إلى البلدان المجاورة".
"لماذا يتخلى عنا العالم؟"
وبينما تسارع الحكومات الأجنبية لإجلاء رعاياها من السودان، يقول من لا يملكون مكانا آخر للفرار إليه إنهم يشعرون بأن العالم تخلى عنهم.
وتساءلت سمية ياسين (27 عاما): "لماذا يتخلى عنا العالم وقت الحرب؟". واتهمت القوى الأجنبية بالأنانية.
ومنذ اندلاع الاشتباكات، فرّ عشرات الآلاف من الناس إلى تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.
ومع مغادرة المدنيين للخرطوم في سيارات وحافلات، صارت شوارع العاصمة شبه خاوية، وانحسرت فيها مظاهر الحياة اليومية العادية مع بقاء الموجودين في المدينة داخل منازلهم بينما يتجول المسلحون في الخارج.
رويترز