من تلميذ في مدرسة القرية "تحت السنديانة" إلى أديب وموسوعي ومربي ومؤرخ. أوّل من أسس مدرسة وطنية عالية راقية، أوّل من أنشأ مجلة هادفة سامية، أوّل من ألف قاموسًا عربيًا عصريًا مطولًا، أوّل من ابتدأ بمشروع دائرة معارف باللغة العربية، ومن أوائل من نادوا بتعليم المرأة وبحقّ المجتمع على المرأة بأن تكون أمًّا صالحة وسيدة فاضلة ومديرة ناجحة في بيتها وفي مجتمعها.
إنه المعلم بطرس البستاني.
وفي إطار الإحتفال في يومه، أحيت جمعية "المعلم بطرس البستاني"، حفلًا تحت عنوان "يوم المعلم بطرس"، في المكتبة الوطنية في الصنائع.
الإحتفال ركّز على إرثه في الوطنية والعلم واللغة العربية وحقوق الإنسان والمرأة ونبذ الطائفية، وكذلك حرية الضمير كنهج حياة وعلى دوره في التربية والتعليم.
وزير الثقافة: المعلم بطرس أدرك أهمية لبنان
راعي الحفل وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، شددّ في حديث لـ"وردنا"، على أن أهمية المعلم بطرس تكمن في "أنه أدرك أهمية لبنان وأهمية التنوع الثقافي والديني الذي يتميز به، ما جعله واحة بكلّ ما للكلمة من معنى"، لكنه رأى أن هذه الواحة بحاجة لمعالجة بعض التحديات بحيث أن المعلم بطرس "رسم لنا خارطة الطريق التي يمكن الإلتزام بها لتغيير واقعنا".
وأنه إذا أدرك الشعب اللبناني التحديات التي تعصف بالبلد "يمكن أن يصبح لبنان نموذجاً للحياة الإنسانية الجيّدة ومقصداً للعالم للإستفادة من الغنى الديني والعقائدي والثقافي فيه". مشيراً الى أن الأمراض في مجتمعنا اليوم هي الآفات عينها التي تحدث عنها البستاني، مبدياً استغرابه كيف أن "المشاكل الوطنية التي ناقشها وطرح لها حلولًا، ما زالت هي هي، كأن صوت المعلم فيها راح بلا صدى".
وأكد المرتضى أن "المهم اليوم، في ذكرى المعلم بطرس، أن نقتضي بالكلمات ونفرح بها ونحاول تطبيق أقواله ونجعل منها أفعالاً واقعية".
البستاني: الدولة المدنية هي الحلّ
من جهته، أشار رئيس جمعية "المعلم بطرس البستاني"، النائب فريد البستاني، لـ"وردنا"، أن الحل لكلّ المشاكل الطائفية في لبنان هو الدولة المدنية، ويجب العمل لتطبيقها من خلال توحيد الأحوال الشخصية والخروج بقانونٍ إنتخابي غير طائفي".
وأعلن البستاني، باسم الجمعية، عن تبني طالب أو طالبة جامعية من أجل وضع أطروحة دكتوراه عن المعلم بطرس البستاني.
أمّا عريف الحفل الشاعر والإعلامي حبيب يونس، فصرح لـ"وردنا"، قائلًا: "إعادة إحياء الكلام الذي قاله المعلم بطرس، يشعرنا بأننا ننتمي إلى وطن"، مشدداً على ضرورة معرفة "ما هو الوطن، وما معنى إنسان في الوطن والعمل للتقدم إلى الأمام والتخلي عن التعلق بالمعتقلات الطائفية". وأضاف: "الوطن يجمع امّا الطائفة فتفرق".
من هو بطرس البستاني؟
بطرس بن بولس البستاني، ولد في 18 تشرين الثاني من عام 1819 في قرية الدبية في الشوف.
تعلّم في مدرسة القرية، حيث كان الرهبان يعلمون أبناء الرعية مبادئ العربية والسريانية. وبعدما بدأ يظهر نبوغه أرسله معلّمه الخوري ميخائيل البستاني إلى بيت الدين ليرعاه المطران عبد الله البستاني الذي أرسله بدوره إلى مدرسة عين ورقا. فأمضى فيها عشر سنوات تحت رعاية المطران يوسف رزق. وبعد تخرجه نزل إلى بيروت وقدم طلباً للعمل كمعلم للغة العربية "للمرسلين الأميركان".
كلّفه المرسل الإنجليزي إلي سميت (1811) بمساعدته على ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية، وهذه الترجمة لازالت معتمدة حتى اليوم عند المذاهب البروتستانتية.
وفي سنة 1844 انتُدب المعلّم بطرس إلى حاصبيا فأسس مع إلياس فواز المدرسة الإنجيلية في حاصبيا، التي ما زالت قائمة حتى الآن وتحمل إسم مدرسة الإنكليز.
له ما يقارب أربعة عشر كتاباً تناولت مواضيع مختلفة في الحساب وفي الصرف والنحو وفي تعليم النساء وغيرها، ولعب دورًا كبيرًا في تأسيس الكنيسة الإنجيلية الوطنية غير المرتبطة بـ"المرسلين الأميركان" سنة 1847.
توفي بطرس بولس البستاني، مساء الأول من أيار من عام 1883.
"ما يزيد أبناء الوطن حباً لوطنهم الإشعار بأنّ البلاد بلادهم، وسعادتهم في عمارها وراحتها، وتعاستهم في خرابها وشقاوتها". - بطرس البستاني
الدور الذي لعبه
حدّد المعلم بطرس، مفهوم الهيئة الإجتماعية ومستلزماتها ومفهوم المواطنة والمجتمع والدولة. كما حدّد الإحتياجات المجتمعية العربية عامة وفي بيروت خاصة. وشدّد على مفهوم الوطنية اللبنانية التي تقوم على التلازم بين الأرض والشعب واللغة والمصلحة المشتركة، التمدن والتقدم والإلفة والمحبة وعلى النظام العادل وفصل الدين عن الدولة...
وتتمثل نظريته القوميّة العربية، بالإنتماء إلى العرب أصلًا وحضارة ومستقبلًا. والإنتماء إلى أرض العرب وإلى الحضارة العربية لغةً وأدبًا وتاريخًا ومصيرًا مشتركًا.
كما ركز البستاني، على أهمية اللغة العربية وقدرتها على استيعاب علوم العصر. وقدم نظريته في التجديد اللغوي التي تقوم على إستئصال الألفاظ الأجنبية من الكتابة وفنون القول المتعددة، الى جانب تجديد اللغة وحذف الألفاظ الميتة منها. نبذ الأساليب المعقدة في التعبير والتي أصبحت بعيدة عن روح العصر، وقام بتأليف المعاجم المتخصصة بالعلوم والآداب، التي ساهمت بتطوير اللغة وتنميتها من خلال تعريب المصطلحات الجديدة المرتبطة بعلوم العصر.