وفيما وصفت الانتخابات التي جرت الأحد الفائت، بأنها أهم انتخابات تشهدها تركيا في حقبة ما بعد السلطنة العثمانية خصوصا أن حكم أردوغان تزعزع لأول مرة منذ عشرين عاما إذ كان يُحكم قبضته على السلطة منذ عام 2003، ولم يهزم في أكثر من 10 انتخابات وطنية، أخفق بفارق طفيف في تحقيق الفوز، يترقب العالم، نتائج الجولة الثانية في 28 أيار/ مايو الجاري وسط تضارب في المعطيات حيث يرى البعض انها ستكون لصالح أوغلو في حين يعتبر آخرون ان الفرق في النتيجة يمهد الطريق امام أردوغان لرئاسة تركيا 5 سنوات اضافية. مع العلم أن المتنافسين يعوّلان على أصوات مؤيدي المرشح الثالث سنان أوغان الذي حصد 5.17% من الأصوات في نتيجة غير متوقعة ومخالفة لاستطلاعات الرأي التي أعطته حوالي 2% من الأصوات فقط. وبالتالي، فإن الكتلة التصويتية لأوغان ستكون من العوامل المؤثرة في نتيجة الجولة الثانية. كما ان أردوغان وأوغلو يسعيان للفوز بأصوات الشباب الذين يشكلون نحو 10 في المئة من الناخبين.
إذا، المعركة الرئاسية كانت في دورتها الأولى حساسة ودقيقة جدا، وستكون أكثر دقة في الدورة الثانية. المعركة متكافئة، والفارق ضئيل بين المرشحين، "ونسبة التصويت المرتفعة هي التي تسببت بهذا الفارق، وأي اختلاف بنسبة التصويت، يمكن ان يغيّر النتائج في الصناديق. وبالتالي، إقبال الأتراك الكثيف على الإقتراع من عدمه، سيلعب دورا كبيرا، وستخلط الأوراق، لكن لم يصدر أي استطلاع للرأي من داخل تركيا، بعد الجولة الأولى، ليبنى عليها" بحسب رئيس مركز "استراتيجيا للدراسات" مروان الأيوبي.
رجب طيب أردوغان
في الغضون دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الناخبين الأتراك إلى دعمه في جولة الإعادة من انتخابات الرئاسة في 28 أيار/ مايو من أجل الحفاظ على الاستقرار في تركيا، في الوقت الذي يسعى فيه لتمديد حكمه إلى عقد ثالث.
وقال أردوغان إن تركيا بحاجة إلى الانسجام بين البرلمان والرئاسة من أجل حكم فعال.
وأضاف في مقابلة بثتها شبكة (سي.إن.إن ترك) "الوجود القوي لتحالف الشعب في البرلمان يجعلنا أقوى كحكومة. التناغم بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية سيساعد في تنمية بلدنا".
من النظام البرلماني الى الرئاسي... صلاحيات واسعة للرئيس
قبل القاء الضوء على الجولة الثانية من الإنتخابات، لا بد من التوقف عند أبرز المحطات، والتعديلات الدستورية التي غيّرت النظام السياسي التركي من نظام برلماني إلى رئاسي حيث أصبح التصويت للرئيس مباشرة من الشعب الذي يخوض تجربته الأولى في إعادة الإنتخابات الرئاسية، ومن هذه المحطات: في 21 كانون الثاني/يناير 2017، أقرّ البرلمان التركي تعديلات دستورية، نقلت تركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي. وفي 16 نيسان/أبريل 2017، وافق أكثر من 51% من الشعب على التعديلات في استفتاء شعبي. وفي 24 حزيران/يونيو 2018، دخل النظام الرئاسي حيز التنفيذ في تركيا، بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه، العدالة والتنمية، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ويعتبر النظام الرئاسي أحد الأنظمة السياسية الديمقراطية التمثيلية، ويقوم على فصلٍ صارم بين السلطات التنفيذية (الرئيس) والتشريعية (البرلمان) والقضائية.
وأُلغي المقعدان المخصصان للجيش في المحكمة الدستورية التي كانت تضم 17 مقعداً. وتضم هذه المحكمة الآن 15 قاضياً وجميعهم مدنيون. كما أُلغي القانون العسكري الذي طالما لجأت إليه النخبة العسكرية التركية في فرض الحكم العسكري على البلاد.
وبغية منع تدخل الجيش في السياسة والحد من النفوذ الكبير الذي يتمتع به منذ تأسيس الجمهورية، ستكون المؤسسة العسكرية تحت رقابة جهة مدنية هي مجلس الدولة أسوة ببقية مؤسسات الدولة التنفيذية، وسيحاكم العسكريون فقط أمام محاكم عسكرية في قضايا الانضباط العسكري.
وبعد التحول إلى النظام الرئاسي، يرى سياسيون ومحللون أنّ النظام فشل بشكلٍ تام، بعدما حوّل كل السلطات الى مسؤولية شخص واحد، يفعل ما يشاء دون مراجعة أو محاسبة، ما أدى الى أزمات سياسية واقتصادية.
انطلاقا من هذا الواقع المستجد، يدعو زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، كمال كليجدار أوغلو، الى اعتماد دستور جديد في البلاد يقوم على مبادئ ديمقراطية برلمانية، معتبرا أنّ "التغييرات الدستورية أعقاب استفتاء عام 2017، الذي أدى إلى نظام حكم رئاسي، ألغت الضوابط والتوازنات الديمقراطية، وأضعفت البرلمان والقضاء. نحن بحاجة إلى فهم الدولة الذي لا يتحتم أن يكون قمعيًا، ولكن دولة تضم المجتمع في عمليات صنع القرار، وتبذل الجهود لضمان العدالة الاجتماعية"، معتبرا أن "الشباب الأتراك هم من سيقضون على نظام أردوغان لأنهم لا يريدون نظامًا مستبدًا في الدولة".
أما رفيق أردوغان السابق ورئيس وزرائه، أحمد داوود أوغلو، الذي انشق عن حزب "العدالة والتنمية" وأسس حزب "المستقبل"، فيرى أن "نظام الحكم الرئاسي قضى تمامًا على النظام الديمقراطي قانونيًا وفعليًا". في حين أن رفيقه الثاني علي باباجان، الذي انشق عنه هو الآخر، وأسس حزب "الديمقراطية والتقدم"، قال: "أردوغان وحزبه، أضفا الطابع المؤسسي على الإدارة السيئة الفعلية، من خلال اعتماد النظام الرئاسي، ليصبح شخصا واحدا هو المتحكم في كل شيء".
يمثل نظام الحكم الرئاسي الجديد تغييراً جذرياً في بنية وشكل الحكم الذي أرساه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، وأبرز معالم هذا النظام: إلغاء منصب رئاسة الوزراء، استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية الذي يعينه الرئيس كما يعين الوزراء، إضافة صلاحيات رئيس الحكومة ومهامه إلى صلاحيات رئيس الجمهورية الذي تناط به جميع المهام والصلاحيات التي كان يتمتع بها رئيس الحكومة في النظام السابق، منع أعضاء البرلمان من تولي مناصب وزارية أو عضوية مجلس الوزراء، وإلغاء المقعدين المخصصين للجيش في المحكمة الدستورية. ويحدد الدستور المدة الرئاسية بفترتين غير قابلتين للتجديد، إلا أنَّ المادة 106 تنص على أن الرئيس يمكنه الترشح مجدداً في حال حلّ البرلمان، وأُجريت انتخابات مبكرة خلال ولايته الثانية.
أوغان..."صانع الملوك"؟
ستقرر الإنتخابات الرئاسية ليس فقط من سيقود تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي التي يصل عدد سكانها إلى 85 مليون نسمة، وإنما ستحدد أيضا إن كانت ستتجه نحو مسار أكثر علمانية وديمقراطية وكيفية تعاملها مع أزمة غلاء محتدمة، فضلا عن التعامل مع علاقاتها المهمة مع روسيا والشرق الأوسط والغرب حسب "رويترز".
وبالتالي، فإن إعادة الانتخابات، يوم 28 أيار/ مايو الجاري، ستكون أكثر حماوة من تلك التي جرت يوم الأحد، إذ بعد إقصاء المرشح الثالث سنان أوغان الذي حصد 5.17% من الأصوات، عن الانتخابات، فإن كتلته التصويتية ستلعب دورا هاما في نتيجة الجولة الثانية حتى أن كثيرين يعتبرون أنه سيكون "صانع الملوك"، وأن الأصوات المؤيدة له ستكون فاصلة في الجولة الثانية، لكن من الصعب أن يجلس أوغان صاحب التوجه القومي على طاولة يدعمها حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (HDP). في حين، يرى آخرون أن دور أوغان سيكون مهما في الجولة الثانية، غير أنه يستبعد أن يكون "صانع الملوك" في الإنتخابات الرئاسية التركية خصوصا أن الأصوات التي حصل عليها لا تعبّر عن كتلة قاعدته الإنتخابية الفعلية المقدّرة بحوال 2%.
ومن المنتظر، أن يقرر أوغان في وقت قريب، الى جانب من سيكون في 28 أيار/ مايو، وفي حال عبّر بشكل واضح وصريح أنه سيجيّر أصوات مؤيديه لطرف من الطرفين المتنافسين، يكون حسم المعركة. واذا، فضّل عدم الاصطفاف، و"ترك الخيار لمؤيديه الذين سينقسمون في التصويت بين أردوغان وأوغلو لأن البعض منهم ينتمي الى فريق ديني محافظ، في حين أن البعض الآخر ينتمي الى فريق علماني، مع العلم أن النسبة الأكبر منهم قريبة أكثر الى خط أوغلو. ولا بد من الاشارة الى أن نسبة تصويت هؤلاء ستنخفض كثيرا لأنهم يعتبرون أنفسهم غير معنيين في المعركة بشكل مباشر. وفي حال، حافظوا على نفس نسبة التصويت، فستشكل فارقا"، بحسب ما أكده الأيوبي.
الشباب ... يرجّحون الدفة
يتوقع أن تصل نسبة المشاركة إلى أكثر من 90 في المئة في الإنتخابات المقبلة، ويمثل الشباب نحو 10 في المئة من عدد الناخبين، لكن يعتبر كثيرون من هذه الفئة العمرية أن أردوغان وأوغلو، لم يتمكنا من الوصول إليهم جيداً، وأن المرشح المنسحب محرم إنجة كان الأقرب إلى شريحتهم الشبابية، والذي قال قبل انسحابه: "لو أمكن للأشخاص في عمر 15 إلى 18 سنة التصويت، لفزت في الإنتخابات من دون منازع".
وخلال الأيام الأخيرة، ركز كل من أردوغان وأوغلو على الشباب، وخاصة الفئات التي تنتخب لأول مرة، والذين يتجاوز عددهم 5 ملايين ناخب، علهما يكسبان الأصوات التي كانت ستذهب لمحرم إنجة.
وولد معظم جيل الشباب التركي بعد وصول حزب العدالة والتنمية عام 2002 إلى السلطة، ما يجعل معلوماته عما كانت عليه البلاد قبلها محدودة، ومعظم أفراد هذا الجيل لا يكترثون بما يعتبره الحزب الحاكم، إنجازات، ما دفع الرئيس أردوغان إلى التركيز على مطالبهم خلال برنامجه الإنتخابي، وفي اللقاءات الجماهيرية التي قام بها في الولايات.
وأكد أردوغان توفير 6 ملايين وظيفة جديدة خلال 5 سنوات، والعمل على تخفيض معدل البطالة إلى حدود 7 في المئة، إضافة إلى رفع نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 16 ألف دولار سنوياً، مكرراً ما تضمنه برنامجه الإنتخابي بمنح قرض بقيمة 150 ألف ليرة تركية للمقبلين على الزواج من دون فوائد، على أن يبدأ سداد الأقساط بعد سنتين، وأنه سينشئ "بنك الأسرة والشباب" من عائدات الغاز الطبيعي والنفط اللذين تنتجهما البلاد.
ونظراً لامتعاض الشباب من ارتفاع الضرائب على الأجهزة التقنية، وردود فعلهم تجاه اللاجئين، وعد أردوغان بإزالة نظام المقابلات في التوظيف في القطاع الحكومي، وإعفاء الطلاب الجامعيين من الضرائب عند شراء الجوالات والحواسيب الآلية لأول مرة، وتغيير سياسات حزبه تجاه المهاجرين عبر العمل على خفض معدلات الهجرة، وتوزيع المهاجرين في الولايات بنسب متوافقة مع احتياجات الزراعة والصناعة.
وفي ظلّ العولمة، يبحث الشباب اليوم عن حريات أكبر وعن ديمقراطية، وعن تكنولوجيا أكثر تطورا، ولا يحبّذ العيش في مجتمع محافظ، "وأردوغان يشكل العقل المحافظ داخل تركيا، ما يؤثر على آراء الشباب الذين يهتمون أكثر بالرفاهية والتطور"، بحسب الأيوبي الذي لفت الى "حجم البطالة في صفوف الشباب، نتيجة أزمة النزوح السوري الى تركيا، ما انعكس على توجهاتهم الانتخابية، لذلك، رأينا ان المناطق التي يتواجد فيها النازحون السوريون، شهدت نسبة تصويت أعلى لصالح أوغلو بعكس الريف الذي صوّت لأردوغان لأن مجتمعات الريف تكون محافظة".