من هو هذا الرجل المثير للجدل؟
برز اسمه أول مرة في ذروة الغزو الروسي السري الأول لشرق أوكرانيا، في صيف 2014، حين اجتمعت مجموعة من كبار المسؤولين الروس في مقر وزارة الدفاع، وهو مبنى مهيب من عهد ستالين على ضفاف نهر موسكفا.
حضروا إلى هذا المكان في حينه لمقابلة يفغيني بريغوجن، رجل في منتصف العمر برأس حليق وصوت خشن، باعتباره الشخص المسؤول عن عقود تموين الجيش.
وقد تقدم حينها بطلب غريب من وزارة الدفاع، ألا وهو منحه أرضاً يستخدمها لتدريب "متطوعين" لا تربطهم صلات رسمية بالجيش الروسي، وإنما يمكن استخدامهم لخوض حروب روسيا.
وقتها لم يستلطف العديد من القادة الموجودين هذا الطلب، لكن بريغوجن كان حاسماً، مؤكدا أنها أوامر "البابا" في إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هذا ما أكده مسؤول سابق رفيع المستوى في وزارة الدفاع الروسية كان على اطلاع مباشر بتلك المناقشات، وفق ما نقلته صحيفة "الغارديان".
ومنذ ذلك الاجتماع، بدأت قدرات مجموعة فاغنر تتوسع ويتسلل مقاتلوها إلى ساحات حرب خارجية، وصولا مؤخراً إلى الجبهات في أوكرانيا.
كما اكتسب بريغوجن شهرة واسعة بين قادة الجيش وإن لم يكن محبوبا في معظم الأحيان.
فيما وصفه رجل أعمال روسي يعرفه منذ التسعينات "بأنه حيوي ونشيط وموهوب، لكنه عنيد أيضا ولا يتراجع أبداً حتى يحصل على ما يريد".
عديم الرحمة
أما من قاتل معه في أوكرانيا أو غيرها من البلدان، فيصفه بالوحشي وعديم الرحمة!
فيما أكد بعض عارفيه أنه لم يسع وراء المال أو السلطة على الرغم من أنه حصل الاثنين معاً على طول مسيرته.
بل أوضحوا أنه يتحرك بدافع الإثارة والاعتقاد بأنه يحارب النخب الفاسدة نيابة عن الناس العاديين، مع الرغبة أيضا في سحق منافسيه.
لكنه على مر السنين، اكتسب العديد من الأعداء، من رجال الأعمال والشركاء السابقين، مرورا بجنرالات الجيش الذين انتقدهم مراراً ودون كلل باعتبارهم بيروقراطيين جالسين في مكاتبهم وكبار المسؤولين الأمنيين الذين يخشون أن يكون لديه طموحات للاستيلاء على السلطة السياسية.
لكنه احتفظ حتى أمس بحماية أهم داعم له، ألا وهو "الرجل الذي يسميه بابا".
غير أن "البابا بوتين" تخلى عنه الآن بعد أن أعلن عصيانه، رافعا الغطاء عن تاريخ "أسود"!
مراهقة عنيفة
فبريغوجن الذي ولد في لينينغراد، سانت بطرسبورغ، عام 1961، بعد تسع سنوات من ولادة بوتين، توفي والده وهو صغير، فراح الولد "يشاغب" بعنف. إذ انضم إلى حشد من المجرمين الصغار.
وأكدت وثائق قضائية من عام 1981، بحسب الغارديان، أنه في آذار/ مارس 1980، وحين كان بريغوجن يبلغ من العمر 18 عاما سطا على امرأة وسرقها مع رفاقها في أحد شوارع بطرسبورغ.
كما ارتكب لاحقا عمليات سطو أخرى على مدى عدة أشهر. ليحُكم عليه بالسجن 13 عامًا.
ثم أطلق سراحه عام 1990، حيث كان الاتحاد السوفياتي ينهار. فعاد إلى سان بطرسبورغ، حيث كانت المدينة على شفا تحول هائل، مع ثروات كبيرة تنتظر أولئك الأذكياء أو العنيفين بما يكفي للاستيلاء عليها.
فبدأ الرجل في بيع النقانق، في مطبخ بشقة متواضعة تعود لعائلته.
لكن طموحاته كانت أكبر كثيرا وقد عرف كيف يحققها.
ولم يمض وقت طويل حتى امتلك بريغوجن حصة في سلسلة من المتاجر الكبرى. ثم عام 1995 قرر أن يفتح مطعما مع شركائه في العمل.
استخدم الراقصات
في البداية، استخدم "راقصات ومتعريات" لإغراء الزبائن، لكن بعدما انتشر الخبر أن الطعام ممتاز، تم فصل المتعريات.
فراح نجوم البوب ورجال الأعمال يتقاطرون على هذا المطعم، وكذلك فعل رئيس بلدية سان بطرسبورع، أناتولي سوبتشاك، الذي كان يأتي أحيانًا مع نائبه حينها فلاديمير بوتين!
كما صادق مع عازف التشيلو الشهير مستيسلاف روستروبوفيتش، الذي هاجر من الاتحاد السوفياتي في السبعينات.
وعندما استضاف روستروبوفيتش ملكة إسبانيا في منزله في سان بطرسبورغ عام 2001، قدم بريغوجن الطعام.
حتى إن روستروبوفيتش دعا بريغوجن وزوجته إلى حفل موسيقي في باربيكان، بعيد ميلاده الخامس والسبعين في 2002، وفقًا لسجلات أوركسترا لندن السيمفونية لقائمة الدعوة لهذا الحدث.
في ذلك الوقت، كان بوتين قد أصبح رئيسًا لروسيا.
بوتين والطباخ الأحب
وخلال السنوات الأولى من حكمه، كان الرئيس الروسي يحب في كثير من الأحيان مقابلة الشخصيات الأجنبية المرموقة في مسقط رأسه. فكان يصطحبهم أحيانًا إلى مطعم بريغوجن أو إلى نيو آيلاند، حيث تحول قارب يفغيني إلى مطعم عائم.
ومنذ ذلك الحين، بدأ بريغوجن يفوز بعقود لتقديم الطعام في مناسبات حكومية كبرى من خلال شركة كونكورد، وهي شركة قابضة أنشأها في التسعينات.
وفي عام 2012، فاز بأكثر من 10.5 مليار روبل (200 مليون جنيه إسترليني) من العقود لتوفير الطعام لمدارس موسكو، حسبما ذكرت وسائل إعلام روسية، نقلاً عن سجلات من السجل المالي الروسي.
بعد ذلك، ظهرت فرص أخرى لـ "طباخ بوتين" عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في آذار/ مارس 2014 وتدخلت عسكريا في شرق أوكرانيا بعد فترة وجيزة.
ففيما نفى بوتين أن تكون القوات الروسية النظامية متورطة في أي من الحالتين، كانت قوات فاغنر في الميدان!
ومنذ ذلك الحين، بدأ تدخل تلك المجموعة العسكرية الخاصة التي يرأسها بريغوجن عسكريا في العديد من الدول لاسيما الإفريقية، لتحط رحالها قبل أشهر في أوكرانيا، وهي الساحة التي شقت صفوف القوات الروسية، وأظهرت "تمرد" بائع النقانق!.
بريغوجن في باخموت
واستولت فاغنر الشهر الماضي على مدينة باخموت بشرق أوكرانيا بعد قتال يعد من أكثر المعارك دموية خلال الحرب. لكن بريغوجن، خلال المعركة، خرق المحظورات الخاصة بنظام بوتين السياسي محكم السيطرة، وبدأ في كيل السباب البذيء للقيادة العسكرية في موسكو. ونشر مقطعا مصورا بعد ذلك يوجه فيه الشكر للكرملين، على الرغم من ترداد نغمته المتذمرة المفضلة، وهي زعمه أن القيادة العسكرية العليا عبارة عن مجموعة من الخونة، وخص بالذكر سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي وفاليري جيراسيموف رئيس هيئة الأركان العامة الروسية.
وفي المقطع الذي يعد أكثر المقاطع المصورة التي لا تنسى لبريغوجن في الخامس من أيار/مايو، عرض ساحة تغص بجثث مقاتلي فاغنر الذين قال عنهم إنهم لقوا حتفهم بسبب قلة الذخيرة وألقى بالمسؤولية على شويجغ وجيراسيموف.
وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على بريغوجن بسبب دوره في فاغنر. واتهموه أيضا بتمويل وكالة أبحاث الإنترنت التي تقول واشنطن إنها حاولت التأثير على الانتخابات الأميركية.