توجز إحدى الأمهات حكايتها مع النشر الإلكتروني لخصوصية عائلتها، مطلقة صرخة مدوية لأولئك الذين لا زالوا ينشرون الصور من دون أدنى خلفية لما يمكن أن يواجهه الأبناء: "لقد اختطفوا عائلتي رقميا، ووظفوا تلك الصور في يوميات لعائلة لا تشبه قيم وأخلاقيات عائلتي". والمفارقة أن تلك العائلة المتخطفة رقميا حصدت متابعين وشهرة تفوق بأضعاف عدد متابعيها الحقيقيين. وبموازاة صرخة تلك الأم، تتعالى صرخات أمهات صدمن بصور لأطفالهن على مواقع تشجع على التحرش بالأطفال، وتكون خطيئة الأهل التي لا تغتفر، أنهم حين يعرضون صورا لأطفال شبه عراة أو مأخوذة من رحلة بحرية، يقدمونها بذلك على طبق من ذهب لتلك المواقع التي لا من يحاسبها أو يسيطر عليها.
وفي ظل تنامي ظاهرة سرقة الهوية الإلكترونية، والتلاعب بالصور من خلال الذكاء الاصطناعي، أطلقت شركة الاتصالات الألمانية "دويتشه تليكوم" حملة إعلانية واسعة ومرعبة، محدثة صدمة للأهالي الذين اعتادوا نشر صور أطفالهم بكثافة على الانترنت من دون معرفة الجانب السلبي. ويتزامن عرض الفيديو، مع إطلاق دراسة تؤكد بأن 92 في المئة من الأطفال الأميركيين لديهم نوع من التواجد عبر الإنترنت عندما يبلغون من العمر عامين. وبذلك تنتفي كل الخصوصيات وتنتهك حرمات العائلات بوقوعها فريسة لقراصنة يعملون بنهم وجد أكثر من حماسة مشيري الصور.
الفيديو الصادم
انتشرت حملة "دويتشه تليكوم" على نطاق واسع بسبب تحذيرها الصارخ من العواقب المدمرة المحتملة لنشر الآباء صور أطفالهم على الإنترنت.
ويُظهر مقطع الفيديو، الذي تمت مشاهدته أكثر من 5.5 مليون مرة على وسائل التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين، مدى سهولة التلاعب بصورة الطفل باستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) . ويسلط الإعلان الضوء على قصة "إيلا" البالغة من العمر تسع سنوات. مثل العديد من الآباء اليوم ، تنشر والدة "إيلا" بانتظام مقاطع فيديو وصور لابنتهما الصغيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، لم يخطر ببال والدي الطفلة "إيلا" أبدًا كيف يمكن أن تدمر "المشاركة" مستقبل ابنتهما.
وفي الإعلان، يتم إنشاء نسخة مزيفة من شخص إيلا، بينما تبدو بالغة في سن أكبر، بمساعدة الذكاء الاصطناعي، وذلك فقط باستخدام صورة لفتاة تبلغ من العمر تسع سنوات شاركها والداها عبر الإنترنت. وفي الفيديو، تستطيع "إيلا المزيفة" أن تمشي وتتحدث كشخص حقيقي. وتواجه والديها المذعورين على الشاشة الكبيرة وهم يشاهدون الفيلم في السينما.
تكشف النسخة الزائفة من ابنتهما عن العواقب الوخيمة التي يمكن أن يواجهها والديها بعد نشر صور ومقاطع فيديو لها على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويشرح الإعلان بوضوح كيف يمكن للأطفال الذين تُنشر صورهم على الإنترنت أن يصبحوا ضحايا إساءة استخدام الهوية، والخداع المزيف العميق واستغلال الأطفال في المواد الإباحية، وكذلك التورط بجرائم لم يرتكبوها.
دراسة
تشير شركة "Adweek " إلى أن بعض الدراسات توقعت أنه بحلول عام 2030 ، سينتج ما يقرب من ثلثي حالات الاحتيال في الهوية التي تؤثر على الأجيال الشابة عن "المشاركة".
وأظهرت أن الطفل البالغ من العمر خمس سنوات قد قام بالفعل بتحميل نحو 1500 صورة عبر الإنترنت من دون موافقة الوالدين.
زوكربيرغ
في الأسبوع الماضي ، أثارت صورة نشرها الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، مارك زوكربيرغ، ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال نشر صورة عائلية على "انستغرام" حيث تم إخفاء وجوه طفليه الأكبر سنًا بواسطة الرموز التعبيرية. وفي الوقت نفسه، لم يكن وجه مولودهما الصغير مغطى في الصورة.
كشف هذا عن وعي زوكربيرج بأن وجوه أطفاله الأكبر سنًا قد تطورت بدرجة كافية ليتم التعرف عليها من قبل الغرباء عبر الإنترنت ومن خلال برامج التعرف على الوجه.
أطفال للتحرش
تحذر الأميركية ميريديث ستيل، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 35 عامًا، الآباء من التوقف عن مشاركة صور أطفالهم عبر الإنترنت بعد "اختطاف عائلتها رقميًا".
تحكي ستيل عن محنتها: "مصادفة وجدت حسابا مزيفا لعائلتي. كان لأطفالي أسماء وهويات جديدة، مع تعليقات مخجلة اختارها المقرصن ليروج لأفكاره الخبيثة من خلال يومياتنا المشيرة للجميع على الانترنت". تعلق: "لقد كان يلعب بأولادي مثل الدمى، ويختار لهم الصوت والمظهر والأفكار. لقد استثمرهم عاطفيا".
أبلغت ستيل - التي تشارك باستمرار صور عائلتها وحياتهم اليومية على صفحتها العامة على "انستغرام" عن الحساب المزيف لكن شركة التواصل الاجتماعي فشلت في اتخاذ أي إجراء. فأُجبرت الأم في النهاية على حظر الحساب. تقول: "شعرت بأنني والدة سيئة"، ولم يكن لديها معرفة مسبقة بأي مفهوم للأمان عندما بدأت في مشاركة لقطات لأطفالها الصغار.
وبحسب التحقيقات في الاختطاف الرقمي، غالبية القراصنة هم من الفتيات المراهقات والشابات اللواتي يستخدمن الصور للعب الأدوار في لعبة افتراضية للأمومة. وهذا الاختطاف الرقمي قد يؤدي إلى جريمة إلكترونية حقيقية مثل سرقة هوية الطفل.
أكثر من علامة تجارية
تجربة المصورة الأميركية أندريا مع الاختطاف الرقمي توجزها في سطور على "فيسبوك"، إذ تحكي عن اختبار مرّ تعرضت له بعد أن درجت العادة لسنوات بنشر صور لأطفالها على صفحتها العامة ضمن الترويج لعلامات تجارية. لكنها بالصدفة كذلك، لاحظت أن لديها متابعا مجهول الهوية وحوله شكوك وعلامات استفهام. حاولت الدخول الى صفحته الخاصة، لكنها لم تنجح الا بعد موافقته على إذن الصداقة، لتعثر على أكثر من 4 آلاف صورة لأطفال عراة وشبه عراة، بينهم صور لأطفالها كانت التقطتها لهم على البحر. وحين طلبت حذف الصور، حظرها الموقع الذي بدا واضحا أنه مخصص لأولئك المهووسين بالتحرش بالأطفال". تبدي أندريا أسفها لأن صور أطفالها لا زالوا معروضين على الموقع، من دون أن تنجح في حذفهم بأي من الطرق.
الشرطة
تعرّف ضابطة شرطة فيكتوريا الخبيرة في القرصنة الالكترونية سوزان ماكلين، الاختطاف الرقمي بأنه نوع من سرقة الهوية، وتقول:" يحدث ذلك عندما يلتقط شخص ما صورًا لطفل من وسائل التواصل الاجتماعي ويعيد وضعها بأسماء وهويات جديدة ، وغالبًا ما يدعي أن الطفل هو ملكه. كانت هناك العديد من الأمثلة على ذلك في السنوات الأخيرة، بما في ذلك حادثة عام 2015 التي التقط فيها شخص غريب صورة لطفل يبلغ من العمر 18 شهرًا من صفحة "فيسبوك" الخاصة بالمدونة ونشرها على ملفه الشخصي على "فيسبوك" متصرفًا كما لو كان ابنه".
وتضيف: "عندما يبدأ الأطفال في استكشاف الإنترنت، لابد من حمايتهم من خلال تطبيقات، بينها ( Kaspersky Safe Kids 2020) وبهذه الطريقة، يمكن وضع بعض أدوات الرقابة الأبوية؛ مع ضمان عدم وصول الأولاد إلى مواقع الويب أو المحتوى الذي لا ينبغي لهم رؤيته.
سرقة.. ثم اختطاف
سرقة الهوية هي مصدر قلق كبير. يحتاج القراصنة فقط إلى اسم الطفل وعنوانه وتاريخ ميلاده لسرقة شخصيته. غالبًا ما تحتوي الصور والتعليقات التوضيحية للأطفال على هذه المعلومات. ويُعد اليوم الأول من المشاركات المدرسية محفوفًا بالمخاطر بشكل خاص، لأن الآباء يمكنهم الكشف عن معلومات حساسة من دون قصد، مثل أسماء المعلمين واسم المدرسة وحتى أرقام المنازل.
لذلك يوصي الخبراء: "إذا قررت نشر صور لأطفالك، اجعل التفاصيل عند الحد الأدنى. تحقق من خلفية الصور للتأكد من عدم وجود أي تلميحات حول المكان الذي تعيش فيه. لا تقم أبدًا بتضمين أسماء المدرسين أو المدارس. تأكد أيضًا من إعدادات الخصوصية في صفحاتك للتأكد من عدم تعيينها على "عام". من الجيد أيضًا أن تطلب من الأصدقاء وأفراد العائلة الامتناع عن استخدام الصور أو مقاطع الفيديو لطفلك. أخيرًا، إذا كان طفلك فوق سن الرابعة، فاطلب الإذن منه قبل نشر صورة".
تحكيم ضمائر
وفقًا لدراسة أجريت عام 2020 في المملكة المتحدة ، ينشر الأهل في حدود 1500 صورة لأطفالهم عبر الإنترنت قبل سن الخامسة. و ما يقرب من ثلث الآباء الذين شملهم الاستطلاع، قالوا إنهم لم يفكروا مطلقًا في طلب إذن الطفل قبل النشر ، حيث أكد 55 في المئة إنهم لم يكونوا قلقين بشأن التداعيات.
وفي حين أن منشورات الآباء قد تبدو غير ضارة بدرجة كافية، فإن الدراسات تقدر أن "المشاركة" ستلعب دورًا في ثلثي حالات الاحتيال في الهوية التي تواجه الشباب بحلول عام 2030. ويقول الخبراء إن الآباء أيضًا يعرضون أطفالهم عن غير قصد لخطر القرصنة وتتبع التعرف على الوجه والاعتداء الجنسي على الأطفال التهديدات الأخرى عبر الإنترنت للخصوصية والأمان عند الإفراط في المشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولذلك يجمع الخبراء في هذا السياق على عبارة يروجون لها: "قبل المشاركة حكموا ضمائركم".