تحدث التقرير عن خسائر مصرف لبنان، وعن شركة "فوري" وعن أصنام المجلس المركزي، وعن الهندسات المالية. التقرير مؤلّف من 332 صفحة موزّعة على 14 باباً فيها الكثير من التفاصيل الوصفية للعمليات المحاسبية والمصرفية والإدارية المعقّدة التي تشير بوضوح إلى مسؤولية رياض سلامة في الإدارة.
فقد استخدم مصرف لبنان معايير محاسبية "غير تقليدية" لتحضير بياناته المالية. هو إجراء تستخدمه العديد من المصارف المركزية عالمياً، لكنه في العادة يكون طبقاً لمعايير بديلة ثابتة وواضحة، وهو أمر تفتقر إليه المعايير التي اعتمدها مصرف لبنان. هذه الإجراءات سمحت لمصرف لبنان بنشر بياناته المالية بشكل غير شفّاف وإخفاء الكثير من المعلومات. المعايير المحاسبية التي بنى عليها مصرف لبنان بياناته المالية تعود إلى "الدليل المحاسبي" الخاص بمصرف لبنان، الذي يوافق عليه المجلس المركزي. هذا الدليل عُدّل في عدّة مناسبات، منها في عام 2016 وعام 2018.
كان لدى مصرف لبنان فائض في العملات الأجنبية بقيمة 7.2 مليارات دولار في نهاية 2015، إلا أن الأمر انقلب إلى عجز بقيمة 50.7 مليار دولار في نهاية 2020. سبّب ذلك زيادة الودائع لديه بالعملة الأجنبية بنسبة 119% والتي جرى تمويلها بواسطة عمليات الهندسات المالية، مقابل انخفاض في قيمة الأصول الأجنبية بنسبة 18%. (عملياً يتحدث التقرير عن استقطاب الودائع من الخارج وتحويلها إلى أصول محلية). هناك نسبة كبيرة ومتزايدة من الأصول بالعملات الأجنبية هي عبارة عن أصول محلية، وهذه المبالغ، إذا تم ردّها، ستشكّل ضغطاً هائلاً على الدولة اللبنانية والشعب والاقتصاد. وازداد النقص في الاحتياطات بالعملة الأجنبية إلى 71.9 مليار دولار في نهاية 2020، مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 31.2 مليار دولار، أي إن نسبة النقص بالعملة الأجنبية نسبة إلى الناتج بلغت 230%.
الوضعية المالية لمصرف لبنان تدهورت سريعاً، لكن لم يعبّر عن ذلك في الميزانية والبيانات المالية التي تم تحضيرها وفق معايير محاسبية غير تقليدية تتيح لمصرف لبنان المبالغة في تقييم أصوله وأرباحه بشكل كبير. اللافت أن الحاكم حدّد الالتزامات المترتبة على مصرف لبنان من دون أي تفسير. وقد بلغ العجز في رأس مال مصرف لبنان 51.3 مليار دولار. ردّ مصرف لبنان على ذلك في تموز 2023، بالقول إن "ذلك هو جزء من سياسات محاسبية أقرّها المجلس المركزي لمصرف لبنان. غالبية المصارف المركزية تتبنّى معايير محاسبية مصمّمة بحسب حاجاتها والسياسات النقدية المتّبعة. الفوائد المدفوعة على شهادات الإيداع والودائع تنسجم مع تطوّر العائد على سندات اليوروبوندز".
السياسات والمعايير المحاسبية التي اتّبعها مصرف لبنان، في سياق تنفيذ الهندسات المالية كانت استثنائية قياساً على العوامل الشخصية والدقّة والسرية التي اتّسم بها عمل الحاكم. حتى مع السياسات غير التقليدية، فإنه في سياق كونها سياسات، يجب أن تكون قابلة للتدقيق وواضحة وقابلة للتدقيق والفهم من قبل طرف آخر. سياسات مصرف لبنان في هذا الإطار فشلت.
الهندسات المالية كانت مكلفة جداً وتتضمن: علاوات مدفوعة لشراء سندات الخزينة وإطفاء شهادات إيداع، فوائد على الودائع وشهادات الإيداع، فروقات مرتفعة في سعر الصرف.
لاحظنا، أنه من أجل تفادي الخسائر الدفترية، حوّل مصرف لبنان الكلفة إلى الميزانية، وفي النتيجة كان المصرف قادراً على إظهار ربح في كل السنوات، وتوزيع أرباح بقيمة 40 مليون دولار لوزارة المال. كلفة الفوائد التي أبقيت في الميزانية سُجّلت كالتزامات بعنوان "مصاريف فوائد متفرقة وأكلاف شهادات الإيداع" المعروفة باسم "البركة". الكلفة الإجمالية للهندسات المالية تُقدّر بنحو 115 تريليون ليرة في نهاية 2020.
يُظهر التقرير الجنائي أنه بعد تعديل الحسابات التي تلاعب فيها مصرف لبنان بحسب معاييره "غير التقليدية"، يُصبح حساب رأس المال الخاص بالمصرف سالباً منذ عام 2015 ويتراكم العجز في حساب رأس المال مع السنوات وصولاً إلى عام 2020. ففي عام 2015 بلغت أصول المصرف 104 تريليونات ليرة مقابل مطلوبات بقيمة 124.9 تريليون ليرة، أي إن العجز أو رأس المال السلبي سجّل 22 تريليون ليرة.
وفي عام 2020، صارت الأصول 166 تريليون ليرة مقابل مطلوبات بقيمة 239 تريليون ليرة، أي إن رأس مال المصرف سالب بمبلغ 77 تريليون ليرة (مقوّم على أساس 1507.5 ليرات مقابل الدولار الواحد).