لبنان آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

تلفزيون لبنان بين وقف البث وعودته.. حرب بيانات تنذر بانقسامات

تلفزيون لبنان بين وقف البث وعودته.. حرب بيانات تنذر بانقسامات

ستة عقود وأكثر تمكن خلالها تلفزيون لبنان من تأسيس مساحة إعلامية كانت السباقة في العالم العربي، كما شهدت هذه القناة على أبشع الصراعات اللبنانية الداخلية، ولاسيما سنوات الحرب الأهلية التي طالت شظاياها المحطة نفسها وأدت الى انقسامها الى محطتين لكنها لم تقفلها. 

وفي سنوات ما بعد الحرب، ومع انتشار المحطات التلفزيونية الخاصة والمحاصصة الطائفية التي خضعت لها، وجد تلفزيون لبنان نفسه أمام منافسة غير متكافئة من ناحية الميزانية، إذ أن الحكومات المتعاقبة أهملت هذا القطاع بشكل كبير. 

انفجرت الأزمة الاقتصادية عام 2019 وطالت كل المؤسسات الرسمية والخاصة، إلّا أن القطاع العام كان الأكثر تضرراً وتلفزيون لبنان نال حصة الأسد منها، إلى حين اعلان الاضراب قبل أيام بعد سلسلة من التحركات التحذيرية، للمطالبة بمساواتهم بباقي مؤسسات القطاع العام لناحية الرواتب والمخصصات.

الى أن أعلن وزير الاعلام زياد مكاري اليوم وقف بث التلفزيون بشكل مفاجئ، قبل أن يوضح في بيان لاحق بأنه لم يقفل التلفزيون، منتقدا الخطوات التي تقوم بها نقيبة مستخدمي التلفزيون ميرنا الشدياق، والتي بدورها ردت على الوزير برفض المس ببث التلفزيون.

حيال ذلك، يبدو أن المسألة ليست بهذه البساطة، وحتما قد تظهر انقسامات في الايام المقبلة، علما أنه اليوم الأول الذي يكون فيه التلفزيون من دون النشرة الاخبارية المسائية.


قرار مكاري

وكان صدر عن وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، زياد مكاري، بيان جاء فيه: "بغرض الحد من اللغط الحاصل، بعدما تمّ ترويج عدّة أخبار مغلوطة نُسبت إلى مكتبي تدّعي اتّخاذي قراراً بإغلاق تلفزيون لبنان بشكل نهائي، وهو أمر عارٍ من الصحة".

وأضاف البيان "يهمني ان اوضح ما يلي: حرصاً على المال العام، اتّخذت قراراً بتجميد البثّ، في ظلّ إصرار نقيبة مستخدمي تلفزيون لبنان ميرنا الشدياق الحديثة العهد في العمل النقابي، على وقف بثّ البرامج، واستخدام الشاشة العامة وسيلة لبثّ البيانات الصادرة عنها حصراً، الأمر الذي يكبّد خزينة الدولة نفقات كبيرة غير منظورة، كالمازوت على سبيل المثال لا الحصر، إذ يحتاج التلفزيون إلى 20 ألف ليتر شهرياً في مبنى تلة الخياط فقط كما أفادنا مدير الإرسال".

وتابع "اضف الى ان قرار الاستمرار في الإضراب الذي اتّخذته الشدياق ينمّ عن عدم إلمام بكيفية سير الأمور الإدارية، خاصةً وأنني كنت قد وضعت أعضاء مجلس النقابة في تفاصيل تحرّكاتي، وأطلعهم على الإجراءات والقرارات التي استصدرتها لمصلحتهم في فترة زمنية وجيزة، لا سيّما منها الاستحصال من مجلس الوزراء على سلفة مالية بقيمة 70 مليار ليرة لبنانية لتسديد الديون المتراكمة منذ سنوات، والتي من بينها التأمين الصحي لمستخدمي التلفزيون وعائلاتهم".

ولفت إلى انني "بذلت جهداً مضاعفاً منذ استلامي لإدارة تلفزيون لبنان، لتأمين المستحقات المالية المتأخّرة منذ شهر تشرين الثاني 2021، وقد حوّل وزير المالية مرسوم سلفة خزينة إلى مجلس الوزراء بقيمة 16 مليار و8444 مليون ليرة لبنانية، والملفت أنّ الشدياق اتخذت قرارها بوقف العمل بعد أن أُبلغت بقرار وزير المالية بإعطاء مستخدمي تلفزيون لبنان المساعدة الاجتماعية، وبموافقة ديوان المحاسبة بتاريخ 3 آب 2023 على إعطاء المساهمة المطلوبة لصالح المستخدمين، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام عن أسباب قرار الإضراب وخلفياته".

وأشار إلى ان "الجدير ذكره أيضاً، أنني استصدرت من مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 4 أيار/مايو 2023 قراراً يساوي بين مستخدمي تلفزيون لبنان وسائر موظفي القطاع العام، وقد أثمر هذا القرار عن تأمين 4 رواتب لمستخدمي التلفزيون عن الأشهر أيار وحزيران وتموز من العام 2023 وبشكل متواصل".

وشدّد على انه "تجدر الإشارة إلى أنّ عدداً كبيراً من مستخدمي تلفزيون لبنان، وكافة مديري الشركة باستثناء المدير التقني ورئيس مراكز الإرسال قد وقعوا على عريضة طالبتني ببذل كلّ الجهود لاستمرار العمل في شركة تلفزيون لبنان بخلاف قرار بعض أعضاء النقابة والنقيبة، وقد أكّدت على دعمي لكل خطوة كي تعود شاشة تلفزيون لبنان إلى كلّ منزل وبيت، واشكر رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر على الجهد الذي بذله في سبيل إعلاء مصلحة هذا المرفق العام ومستخدميه".

وعقب عودة البث الى شاشة التلفزيون، تقدم وزير الاعلام بالشكر الجزيل الى "الموظفين في تلفزيون لبنان وأعضاء النقابة والمديرين الذين اعادوا الروح لشاشة تلفزيون الوطن، واطلقوا عجلة العمل فيه من جديد"، وقال: "وعهدنا متابعة كل الخطوات التي من شأنها ضمان حقوق موظفي تلفزيون لبنان والعمل على استعادة دوره، في كل ما من شأنه حماية محطة الوطن وتحصينها".

رد نقابة المستخدمين

وفي تعليق على الوزير مكاري، ردت نقابة مستخدمي التلفزيون: "ذُهل اللبنانيون عامة وموظفو تلفزيون لبنان خاصة بقرار وزير الاعلام زياد المكاري هذا الصباح بوقف بث التلفزيون الرسمي رداً على اضراب نقابة الموظفين المحق، احتجاجاً على عدم حصولهم على مستحقاتهم منذ العام ٢.٢١ وحتى اليوم، إن النقابة المؤتمنة على حقوق الموظفين ومصلحتهم ترفض رفضاً قاطعاً اي مسّ ببث تلفزيون لبنان وتحمّل المسؤولية كاملة لمن يتخذ هكذا قرار مجحف بحق الشاشة الوطنية،

وبعدما كانت تتجه النقابة وكبادرة حسن نية الى تعليق الاضراب على رغم تحصيل جزء يسير من مستحقاتهم إلا انها فوجئت بالتصعيد المستغرب من قبل الوزير المكاري الذي طالب بوقف البث كلياً وعدم صرف الاموال إلا بحالة وقف الاضراب اولاً".

وخاطبت النقابة الوزير: "يا معالي الوزير نحن لسنا هواة اضراب والمشكلة معك ليست شخصية، انما تكمن المشكلة في عدم الحصول على حقوقنا منذ أكثر من عامين اما تصويرها على انها صراع بين المديرين فهذا امر مجافٍ للحقيقة، إن النقابة التي تشدد على أن محركها الوحيد هو حماية حقوق الموظفين تؤكد على الاستمرار بقرار الاضراب وتثمن الوحدة واللحمة التي اظهرها الموظفون من أجل صون حقوقهم وحماية شاشتهم".

الشدياق

وبعد رد الوزير، توجهت رئيسة نقابة مستخدمي التلفزيون ميرنا الشدياق مخاطبة الوزير بالآتي:"حتى ساعة متأخرة من ليل الخميس- الجمعة، تواصل معنا المكلفون من قبلكم (لعدم تواصلكم معنا) وقد قدمنا اقتراحا مطالبين الا يتوقف البث، وفور تسديد بعض من مستحقاتنا الموجودة في المصرف نعلق الاضراب المفتوح".ولفتت الشدياق، في بيان، الى "أننا بادرنا بإجتماع لاصدار بيان بتعليق الاضراب ولكن لم يكن هناك اي جواب من قبل المعنيين واتى الجواب صباحا بإيقاف البث".

وأوضحت أنه "بالنسبة لصفة حديثة العهد بالعمل النقابي فيجب ان يسأل عنها من لا يعرف ان القرارات النقابية تتخذ بالاجماع او بالاكثرية ولا تأخذه النقيبة منفردة وبدل التركيز على النقابة ورئيستها الذين يسعون جاهدين لتحقيق مصالح الموظفين والتلفزيون على حد سواء كان بالاجدر الاهتمام بالامور الادارية التي تنصف الموظفين بحقوقهم وبذلك تنتفي الحاجة الى الاضراب اصلا".

حقوق.. وسياسة!

بحسب مصادر على صلة مباشرة بملف تلفزيون لبنان، قالت لموقعنا إن "الخلاف السياسي في لبنان إستهدف التلفزيون الرسمي"، حيث انقطع البثّ بالكامل اليوم، وإجتاحت الخطوط الملونة الشاشة، وغابت المواد الارشيفية التي تُبث منذ أسبوع، أي منذ أن قرر الموظفون الاضراب، اعتراضاً على التسويف في دفع حقوقهم المتأخرة منذ 22 شهراً.

توازياّ، أكد مصدر في وزارة الإعلام لـ"وردنا"، أن قرار وزير الإعلام زياد المكاري، كان للضغط على الموظفين لإستئناف العمل، والقبول بما قدمته الحكومة لهم.

ولكن تقديم رواتب 3 أشهر من أصل 22 شهراً، لا تكفي لسداد ديونهم ثمن الخبز، بعدما تلقوا خلال كل تلك الفترة رواتب تتراوح بين 1.5 مليون ليرة و 5 ملايين ليرة، بينما حُجبت المساعدات التي أقرتها الحكومة مؤخراً والتي بلغت معدل 5 رواتب اضافية للقطاع العام. 

خلاف الموظفين والنقابة

وبحسب معلومات خاصة بـ"وردنا"، فان الموظفين يتناقشون في القرار الذي سيتخذونه، بعضهم يرفض استئناف العمل من دون دفع كامل المساعدات، والبعض الآخر يطالب بوعود والتزامات وجدول زمني لصرف المتأخرات، وحتى اللحظة، لم يُتخذ أي قرار بعد، فيما لا تزال شاشة التلفزيون الرسمي مطفأة.

وكشف مصدر في وزارة الإعلام، أن "أكثر من 60 موظفاً وقعوا ضد نقابة موظفي تلفزيون لبنان، كما أن هناك شخصين قدما إستقالتهما من النقابة". وأن خلافاً كبيراً يسود بينهم، على الرغم من ان مطلبهم واحد، ولكن الإنتماءات السياسية المختلفة تفعل الخلافات الداخلية". وتخوفت المصادر من أن يؤدي ذلك إلى مستقبل مجهول للتلفزيون الرسمي، الذي يعد من أقدم التلفزيونات في العالم العربي والشرق الأوسط، ويملك في أرشيفه آلاف التسجيلات النادرة لسياسيين وفنيين منذ حقبة ستينات القرن الماضي إلى غاية اليوم.

الأسمر

أكد رئيس الإتحاد العمالي العام في لبنان بشارة الأسمر في تصريح، أن "موظفي تلفزيون لبنان كانوا منذ عشرات السنين الأكثر تعرضا للغبن والظلم بين موظفي القطاع العام في لبنان، وقد جاء التأخير بتطبيق المساعدات الإجتماعية وغلاءات المعيشة على هؤلاء الموظفين ليفاقم معاناتهم ويزيد وضعهم الإقتصادي والإجتماعي صعوبة".

وقال: "إننا كإتحاد نقف معهم ونساندهم بكل تحركاتهم المشروعة وصولاً إلى حقوقهم، وحيث أن مستحقاتهم المالية أصبحت جاهزةً للتنفيذ بفضل سعي مشكور من وزير الإعلام وتعاون كل المعنيين بتسهيل الحصول عليها بدءاً بوزير المال الأستاذ يوسف خليل ومدير عام وزارة المالية الأستاذ جورج معراوي ورئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران".

ودعا "الأخوة في نقابة موظفي تلفزيون لبنان لإعطاء فرصة لتنفيذ ما اتفق عليه مالياً ومعاودة العمل، والمباشرة بحوارٍ فوريٍ بنّاء مع وزير الإعلام للحصول على كامل الحقوق، وإعادة تلفزيون لبنان الى سابق عهده".

شاشة تلفزيون لبنان بعد قرار الاقفال


ردود فعل

إلى ذلك صدرت مواقف من عدد كبير من الصحافيين والاعلاميين والممثلين الذين رفضوا أي توجه نحو اقفال هذه القناة الوطنية:

علق الإعلامي سامي كليب في تصريح على منصة "إكس" (تويتر) قائلاً: "بدلا من التباكي على تلفزيون لبنان الذي نعتز بتاريخه الأعرق، أقترح أن يقدم كلٌّ منّا نحن الاعلاميين يرنامجًا مجانيًّا لمدة تتراوح بين ربع ونصف ساعة يعود ريعه وإعلاناته للتلفزيون وننهض به شرط عدم تدخل مافيات الطوائف به. وتكون برامج لها علاقة بنهضة المجتمع لا بتوسيع شروخ الفتن".

بدورها، كتبت الفنانة كارمن لبس "ما بتقدرو غير عالوطن... تصبحون على وطن". وأرفقت التغريدة بفيديو لها استهجنت فيه اقفال التلفزيون الذي يمثل ذاكرة الوطن والمجتمع. 

كما، كتب الممثل نعيم حلاوي على منصة "إكس": "اطفاء شاشة الوطن، اطفاء ذاكرة الوطن، وداعاً.. تلفزيون لبنان".

من جهتها، اشارت الإعلامية منى أبو حمزة في تصريح على منصة "إكس"، إلى أن "الاهتراء العام يصل إلى شاشة الوطن، وكل أموال المودعين لم تكف لسدّ رواتب موظفيه".


يقرأون الآن