التصعيد العسكري المتبادل بين "حزب الله" وإسرائيل لم يدخل حتى الساعة في دائرة التوتر العالي الذي يؤدي للإخلال بقواعد الاشتباك التي رسمها القرار الدولي 1701، الذي أناط بالجيش اللبناني بمؤازرة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان العمل من أجل تطبيقه رغم دخول حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" على خط تبادل القصف وعلى نطاق واسع منذ انتهاء "حرب تموز" 2006، بخلاف ما كان يحصل في المرات السابقة بلجوء الفصائل الفلسطينية المنتمية إلى محور الممانعة إلى إطلاق صواريخ من العيار الخفيف تسقط في غالب الأحيان على أطراف الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأتي في سياق إصرارها على تسجيل حضورها.
فتبادل القصف بين "حزب الله" وإسرائيل يبقى تحت سقف السيطرة، وهو رد فعل على الحرب بين "حماس" وإسرائيل، رغم أن الحزب ينأى بنفسه عن الإجابة على الأسئلة التي تلاحقه، ما إذا كانت الجبهة الشمالية الممتدة على طول الحدود اللبنانية – الإسرائيلية يمكن أن تشتعل لاحقاً في حال أن الجيش الإسرائيلي بادر إلى غزو قطاع غزة.
ويبقى الشغل الشاغل للولايات المتحدة ومعها عدد من دول الاتحاد الأوروبي، التحرك لبنانياً في كل الاتجاهات باستثناء "حزب الله" لاستكشاف مدى استعداد الأخير لتحريك الجبهة الشمالية للردّ على إسرائيل، في حال أن جيشها اتخذ قراره، بالدخول إلى قطاع غزة، من دون أن يسجّل شريط الاتصالات الدولية والمحلية أي اتصال، على الأقل في العلن، بين سفارة فرنسا في لبنان ومسؤولين في "حزب الله"، كون باريس تُعد من أولى العواصم الأوروبية التي لم تنقطع عن التواصل بالحزب.
لكن الأسئلة حول مدى استعداد الحزب للتدخل للتخفيف من الضغط العسكري غير المسبوق لإسرائيل على قطاع غزة، تبقى بلا أجوبة مع استعداد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان للتوجه إلى بيروت بالتزامن مع وصول وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى تل أبيب في سياق جولته على عدد من الدول العربية.
فدخول طهران على خط الاتصالات يعني من وجهة نظر مصادر لبنانية لـصحيفة الشرق الأوسط بأنها تتوخّى من خلال جولة عبداللهيان تسجيل حضورها السياسي في قلب الصراع الدائر بين "حماس" وإسرائيل، فيما تسجل المملكة العربية السعودية دورها لإعادة الاستقرار إلى المنطقة الذي تمثّل بمروحة الاتصالات العربية والدولية الواسعة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي كانت موضع اهتمام لبناني لما للمملكة من دور فاعل لخفض منسوب التوتر ومنعه من الخروج عن السيطرة.
وتتوقف المصادر نفسها أمام مجيء عبداللهيان إلى المنطقة ومنها لبنان، وتقول بأن طهران تريد أن تكون شريكاً في إنهاء الحرب، مع اشتداد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وتسأل ما إذا كانت إيران وحليفها "حزب الله" كانا على علم مسبق باجتياح "حماس" للمستوطنات الإسرائيلية الواقعة في نطاق غلاف غزة، أم أنها تفرّدت بقرارها من دون إعلامهما مسبقاً؟
وتؤكد أن تحرك واشنطن، ومعها عدد من الدول الأوروبية لمنع تحريك الجبهة الشمالية، يأتي في سياق توفير الدعم لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليتفرّغ للاقتصاص عسكرياً من "حماس" التي ألحقت ضربة قاسية بأجهزة الاستخبارات العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي فوجئت باجتياح المستوطنات الواقعة في نطاق غلاف غزة.
وتقول إن عودة السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على عجل إلى بيروت، لم تكن بهذه السرعة لو لم تكن مكلفة بمنع تحريك الجبهة الشمالية، لأن تل أبيب لا تتحمل فتح جبهة ثانية تضطر بموجبها إلى التخفيف من حصارها الناري على قطاع غزة، مع أنها حاولت أن تلبنن دعوتها تحت عنوان أن الظروف التي يمر بها لبنان تستدعي تحييد الجبهة الشمالية للتفرُّغ لإيجاد حلول لمشكلاته التي لا يزال يرزح تحت وطأتها، وتكشف أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري أبلغها عندما التقاها بضرورة الضغط على إسرائيل التي تقفل الأبواب أمام إيجاد حل للقضية الفلسطينية وتستمر في استباحة الأجواء اللبنانية وخرق القرار 1701.
وترى أن التحرّك الأميركي ومعه الأوروبي، وإن كان يوحي بأن هناك ضرورة لضبط النفس والحفاظ على الاستقرار في الجنوب ليكون في وسع اللبنانيين الانصراف لإيجاد الحلول لمشكلاتهم، فإن ما يهم هؤلاء جميعاً عدم تحريك الجبهة الشمالية لئلا تضطر تل أبيب إلى خفض قواتها في حربها مع "حماس"، وتؤكد أن جميع الأطراف التي تتواصل مع السفيرة الأميركية والسفراء الأوروبيين لم توفّر لهم الإجابة عن أسئلتهم حول ما يخطط له "حزب الله" في حال قررت إسرائيل اجتياح قطاع غزة.
وفي المقابل، فإن معظم الأطراف المحلية التي هي على خلاف مع "حزب الله"، تنطلق في دعوتها للحفاظ على الاستقرار في الجنوب من أن لبنان لا يتحمل التداعيات المترتبة على فتح جبهة الجنوب، وما على الحزب إلا ضبط النفس وعدم السماح لإسرائيل باستدراجه إلى حرب، وهذا ما دفع برئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط إلى تمرير نصيحة للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله من خلال اتصاله بمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب بعدم الانجرار إلى الحرب، لأن لبنان لم يعد يتحمّل حرباً جديدة وهو لا يتناغم بدعوته مع الموقفين الأميركي والأوروبي وكان أول من انتقدهما.