منذ بداية الجائحة، يسعى العلماء إلى فهم مناعة فيروس كورونا المستجد بشكل أفضل، على سبيل المثال، ما هي المدة التي يظل فيها الشخص محصناً بعد الإصابة بـ"كوفيد-19" أو تلقي التطعيم؟ وماذا قد تعني المناعة طويلة الأمد بالنسبة إلى جرعات اللقاح المعززة؟
ولا يزال من السابق لأوانه معرفة ذلك، ولكن الخبراء يقتربون من حل اللغز.
وأوضح الدكتور بيتر ماركس، مدير مركز تقييم وبحوث البيولوجيا التابع لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية، يوم الخميس خلال ندوة عبر الإنترنت حول مشروع التثقيف بشأن لقاح "كوفيد-19" والمساواة، إن المعلومات الحالية حول معززات لقاح فيروس كورونا المحتملة، تشير إلى أنه قد تكون هناك حاجة إليها في مرحلة ما، ولكن من غير الواضح متى سيكون ذلك.
ويؤكد الخبراء أن أي شخص يتم تطعيمه بالكامل في الوقت الحالي سيبقى محمياً. ولكن السبب في عدم وضوح الجدول الزمني للمعززات المحتملة هو أن العلماء لا يزالون بحاجة إلى وقت لجمع البيانات حول المدة التي قد تستمر فيها المناعة ضد "كوفيد-19" في المستقبل، وكيفية التعامل مع السلالات المتحورة المستقبلية من الفيروس.
وعندما يكون لدى الشخص "مناعة" بشكل عام، فهذا يعني أنه يتمتع بالحماية من المرض. ويمكن اكتساب المناعة النشطة إما عن طريق التطعيم أو العدوى. ويطور جهازك المناعي أجساماً مضادة إما ناتجة عن التطعيم أو استجابة للعدوى، ويمكن أن تحافظ الاستجابة المناعية على "الذاكرة".
وغالباً ما يتم قياس المناعة من خلال وجود الأجسام المضادة، وهي بروتينات يصنعها الجهاز المناعي للمساعدة في مكافحة العدوى في الدم، ويمكن عادة تحديدها من خلال فحص المعمل، ولكن أجهزة المناعة هي أكثر بكثير من مجرد أجسام مضادة، إذ تضم كذلك الخلايا البائية التي تنتج الأجسام المضادة والخلايا التائية التي تستهدف الخلايا المصابة.
وأظهرت الأبحاث أن كلاً من الأجسام المضادة والخلايا التائية قد تتعرف على العدوى من أنواع مختلفة من الممرض، مثل سلالات فيروس كورونا المستجد المنتشرة في العالم اليوم والتي على الرغم من الاختلافات الرئيسية التي قد تجعلها تنتشر بسهولة أكبر، لديها أوجه تشابه كافية لتتعرف عليها ذاكرة الجهاز المناعي.
وإذا تعافى شخص ما من عدوى سابقة ولديه مناعة طبيعية، يمكن أن تساعد اللقاحات في تعزيز ذاكرته المناعية.
صانعو اللقاحات يقومون بمراقبة المناعة
وفي الوقت الحالي، يُصرح بثلاثة لقاحات لفيروس كورونا للاستخدام الطارئ في الولايات المتحدة، وهي لقاح "فايزر / بيو إن تك" بجرعتين للأعمار من 12 عامًا وما فوق، ولقاح "مودرنا" بجرعتين للأعمار 18 وما فوق، ولقاح "جونسون آند جونسون" بالجرعة الواحدة للأعمار 18 عاماً وما فوق.
وتقوم الشركات الثلاث بالتحقيق في الاستخدام المحتمل للمعززات.
ويدرس صانعو اللقاحات ما إذا كانت المناعة التي تولدها هذه اللقاحات قد تتضاءل على مدى فترات طويلة من الزمن. وعلى سبيل المثال، بعد عام أو أكثر، وما إذا كانت تحمي أيضاً من تحورات فيروس كورونا التي يمكن أن تظهر وتتطور.
وإذا كان الأمر كذلك، فقد يحتاج الشخص الملقح إلى جرعة معززة من اللقاح للبقاء محمياً من سلالة فيروس كورونا الأصلية والمتحورات الناشئة حديثاً، أي ما يشبه إلى حد ما الطريقة التي يوصى بها باستخدام جرعة معززة ضد الكزاز كل 10 أعوام، أو يُوصى باستخدام لقاحات مختلفة للإنفلونزا كل عام.
وبالنسبة إلى الفيروسات الأخرى، عادةً ما تترك نوبة واحدة من الحصبة الشخص محصناً مدى الحياة. وانطبق الأمر ذاته على الجدري، قبل أن يتم القضاء على هذا الفيروس في السبعينيات من خلال حملة تلقيح عالمية. ويقي التطعيم المناسب ضد الحصبة والجدري تماماً من العدوى.
ولكن فيروسات الجهاز التنفسي مثل الإنفلونزا وفيروس كورونا تعد أكثر صعوبة، إذ يمكن للناس أن يصابوا بالإنفلونزا مراراً وتكراراً، ولا توفر لقاحات الإنفلونزا عموماً سوى حماية جزئية ضد العدوى والأمراض الشديدة، نظراً لوجود فيروسات إنفلونزا متعددة تنتشر بسبب الطفرات.
ورغم ذلك، فإن فيروس كورونا لديه معدل تحور أبطأ من الإنفلونزا.
ومع ذلك، يشعر الأطباء بالقلق من أن فيروس كورونا قد يصبح مثل الإنفلونزا، الأمر الذي يتطلب لقاحاً جديداً كل عام لأن السلالات المنتشرة تتغير بسرعة، ولأن المناعة من اللقاح تتلاشى بسرعة.
وفي حالة لقاحات فيروس كورونا، قامت العديد من الدراسات بتقييم الاستجابات المناعية التي أثارها لقاحا "مودرنا" و"فايزر" للسلالة الأصلية للفيروس، مقارنة بالسلالات المتحورة.
وبحسب موقع المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن هذه الدراسات لاحظت وجود عيوب متواضعة أو معدومة في التعرف المناعي الخلوي على السلالات المتحورة. وبالتالي، قد تساعد المناعة الخلوية في الحد من شدة المرض في العدوى التي تسببها السلالات المتحورة التي تتفادى جزئياً الأجسام المضادة المعادلة.
ومن الصعب التنبؤ بمدى تأثير انخفاض نشاط التحييد على فعالية لقاح"كوفيد-19"، ولكن عبر الدراسات، كان نشاط تحييد الأجسام المضادة الذي لوحظ بين الأشخاص الذين تلقوا اللقاح بالكامل أعلى بشكل عام من ذلك الذي لوحظ بين الأشخاص الذين تعافوا من "كوفيد-19".
وقال ماركس من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في أبريل/ نيسان، إن البيانات المستقاة من التجارب السريرية تشير إلى أن الحماية التي يوفرها لقاحا "فايزر" و"مودرنا" لفيروس كورونا ستستمر على الأرجح لـ9 أشهر على الأقل. ولكن الخبراء بذلوا جهداً للإشارة إلى أن هذا لا يعني أن المناعة تتوقف عند 9 أشهر.
وهذا يعني أن هذه المدة هي أطول مدة تمت متابعة المتطوعين في التجارب خلالها لمعرفة مناعتهم وجمع البيانات.
وقد تستمر المناعة لفترة أطول، ويحتاج الباحثون فقط إلى الوقت للتقييم.
ومن جانبه، قال الدكتور الباحث الأول في مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي الذي لم يشارك في الدراسات، أميش أدالجا، لـ CNN في رسالة بالبريد الإلكتروني يوم الخميس، إن المجتمع الطبي لا يزال بحاجة إلى بيانات لتحديد درجة تضاؤل المناعة بمرور الوقت.
ويمكن قياس هذه الدرجة على أساس ما إذا كان الأشخاص الذين تلقوا التطعيم بالكامل يعانون في نهاية المطاف من عدوى اختراق بمعدل أعلى، أو لديهم عدوى شديدة بما يكفي لتتطلب دخول المستشفى.
وفي الوقت ذاته، استمرت الدراسات حول المناعة الطبيعية من الإصابة السابقة بفيروس كورونا لفترة أطول إلى حد ما من تجارب اللقاح.
سي أن أن