أكد مسؤولون أميركيون وعرب ودبلوماسيون ومحللون إن إسرائيل تدخل في مخاطرة تنطوي على مواجهة مسلحة ودموية طويلة الأمد إذا ألحقت الهزيمة بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) واحتلت قطاع غزة دون خطة ذات مصداقية للانسحاب والمضي قدما نحو إقامة دولة فلسطينية في فترة ما بعد الحرب.
وذكر مسؤولان أميركيان وأربعة مسؤولين من المنطقة وأربعة دبلوماسيين مطلعين على المناقشات أن كل الأفكار التي طرحتها إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية حتى الآن لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة لم تحظ بتأييد على نطاق واسع بما يثير المخاوف من أن الجيش الإسرائيلي قد ينزلق إلى عملية أمنية طويلة الأمد.
وبينما تحكم إسرائيل سيطرتها على شمال قطاع غزة، يرى بعض المسؤولين في واشنطن وعواصم عربية أن إسرائيل تتجاهل الدروس المستفادة من الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان عندما تلت الانتصارات العسكرية السريعة عمليات عنف مسلحة لسنوات طويلة.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون إن الحكومة التي تديرها حماس في قطاع غزة إذا تمت الإطاحة بها ودُمرت بنيتها التحتية واقتصادها، فقد يؤدي ذلك لدفع السكان الغاضبين للتطرف مما يغذي انتفاضة تستهدف القوات الإسرائيلية في شوارع القطاع الضيقة.
وتتفق إسرائيل والولايات المتحدة والعديد من الدول العربية على ضرورة الإطاحة بحماس بعد هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 واحتجاز حوالي 240. لكن لا يوجد توافق كبير على بديل يحل محلها.
وقالت دول عربية وحلفاء لها في الغرب إن السلطة الفلسطينية هي المرشح الطبيعي للعب دور أكبر في قطاع غزة البالغ عدد سكانه حوالي 2.3 مليون نسمة.
لكن مصداقية السلطة، التي تديرها حركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس (87 عاما)، لحق بها الضرر الشديد بسبب خسارتها السيطرة على قطاع غزة لصالح حماس في صراع عام 2007 وبسبب فشلها في وقف انتشار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية واتهامها بالفساد وعدم الكفاءة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي لا يجب أن تتولى مسؤولية قطاع غزة. وذكر أن الجيش الإسرائيلي هو القوة الوحيدة القادرة على القضاء على حماس وضمان عدم عودة الإرهاب. وأصر مسؤولون إسرائيليون بعد تصريحات نتنياهو على أن إسرائيل لا تنوي احتلال قطاع غزة.
وقال محمد دحلان، الذي كان المسؤول الأمني عن قطاع غزة حتى فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع لصالح حماس واقتُرح اسمه لتولي حكومة ما بعد الحرب هناك، إن إسرائيل مخطئة إذا اعتقدت أن تشديد سيطرتها على القطاع من شأنه أن ينهي الصراع.
وأضاف دحلان من مكتبه في أبوظبي حيث يعيش الآن أن إسرائيل "هي قوة احتلال وسيتعامل معها الشعب الفلسطيني على أنها قوة احتلال".
وأضاف أن قادة حماس ومقاتليها لن يستسلموا بل سيفضلون تفجير أنفسهم على الاستسلام.
وقال دبلوماسيون ومسؤولون عرب إن الإمارات تؤيد تولي دحلان إدارة قطاع غزة في فترة ما بعد الحرب. لكنه قال إنه لا يوجد أحد، ولا حتى هو نفسه، سيرغب في تولي حكم منطقة محطمة ومدمرة دون وجود مسار سياسي واضح في الأفق.
وأشار دحلان إلى غياب التصور لمستقبل غزة عند كل من إسرائيل وأميركا والمجتمع الدولي، داعيا إسرائيل إلى وقف الحرب والبدء في محادثات جدية بشأن حل الدولتين.
رغم أن عباس لا يحظى بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين، لا يوجد اتفاق على من سيحل محله في المستقبل.
ومن المرجح أن يحظى دحلان بقبول مصر وإسرائيل لكن رغم عمله بشكل وثيق مع الولايات المتحدة خلال فترة توليه مسؤولية الأمن في غزة، قال مصدر أميركي إن واشنطن سيكون لديها بعض التحفظات على عودته إلى السلطة. فهناك عداء طويل الأمد بينه وبين عباس ودائرة المسؤولين الداخلية في السلطة الفلسطينية ومع أنصار حماس أيضا.
وقاد دحلان موجة من الاعتقالات والقمع ضد كبار قادة حماس في عام 1996 بعد سلسلة من التفجيرات الانتحارية ضد إسرائيل.
ويعود دحلان إلى وثائق عام 1948 ليؤكد عقيدة التهجير والنزوح لدى إسرائيل ويقول "الوثائق التي يتم تسريبها سواء من الاستخبارات أو من الأحزاب أو من وزير المالية خلاصتها أنهم لايريدون الشعب الفلسطيني في فلسطين، فكرة التهجير والتطهير العرقي وهذه فكرة أيدلوجية قائمة لدى الصهيونية وفي وثائق منذ 48 حتى الآن، لا يستطيعون أن يعيشوا من وجهة نظرهم في إسرائيل إلا إذا قتلوا كل الشعب الفلسطيني أو هجروه".
أما الشعب الفلسطيني فيراه دحلان ثابتا ولا يريد النزوح "ورغم كل القهر والاستغلال والأسلحة ...فالشعب الفلسطيني ما زال بفقره وجوعه وبلا كهرباء وماء ودواء مثبتا في ركام بيوته".
ولا يعتقد القيادي السابق أن فكرة التهجير ستكون قابلة للتطبيق والتنفيذ سواء بالنزوح إلى سيناء أو الأردن قائلا "حتى لو نفذوها بقوة الدبابات وحملوا كل مواطن فلسطيني على دبابة وطلعوه على سينا هيلف (يدور) ويرجعلهم تاني من الجهة الأخرى، فنحن ليس لدينا وطن غير فلسطين، جربوا كل أنواع التعذيب والقتل الجماعي، ما يجري اليوم في غزة هي حرب عالمية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل على المواطنين في غزة ولن يفلحوا فيها".
ودحلان في بداية الستينات من العمر وهو قيادي تدرج في قيادة حركة فتح حتى أصبح عضوا في لجنتها المركزية قبل أن يصطدم مع الرئيس محمود عباس. وعمد دحلان إلى تشكيل تيار جديد أطلق عليه اسم (التيار الإصلاحي) للحركة وانضم إليه بعض من حركة فتح وخصوصا من قطاع غزة.