واصلت القوات الإسرائيلية قصفها الجوي والبري لجنوب قطاع غزة مما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات الفلسطينيين رغم أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة حثتاها مرارا على حماية المدنيين.
وقالت الولايات المتحدة، أقرب حلفاء إسرائيل، إن الهجوم الإسرائيلي في الجنوب يجب ألا يكرر الخسائر "الفادحة" في صفوف المدنيين في الشمال.
لكن السكان والصحفيين على الأرض قالوا إن الضربات الجوية الإسرائيلية المكثفة في جنوب القطاع الساحلي شملت مناطق طلبت إسرائيل من السكان البحث فيها عن ملاذ.
وناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إسرائيل تجنب اتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها أن تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل في غزة وتجنيب المدنيين المزيد من المعاناة.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك "الأمين العام منزعج للغاية من استئناف الأعمال القتالية بين إسرائيل وحماس... بالنسبة لمن صدرت لهم أوامر بالإخلاء، لا يوجد مكان آمن يذهبون إليه ولا يوجد سوى القليل جدا ليبقيهم على قيد الحياة".
وسيطرت إسرائيل بشكل كبير على النصف الشمالي من قطاع غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر. ومنذ انهيار هدنة استمرت أسبوعا يوم الجمعة، توغلت إسرائيل بسرعة في النصف الجنوبي.
وقال الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي حليفة حماس إن مقاتليه خاضوا اشتباكات عنيفة مع جنود إسرائيليين إلى الشمال والشرق من مدينة خان يونس، المدينة الرئيسية في جنوب قطاع غزة.
وذكرت سرايا القدس "نخوض اشتباكات ضارية مع جنود وآليات العدو الصهيوني في محاور التقدم شمال وشرق مدينة خان يونس".
وأفاد سكان بأن الدبابات الإسرائيلية توغلت في القطاع عبر الحدود وقطعت الطريق الرئيسي بين الشمال والجنوب. وقال الجيش الإسرائيلي إن الطريق المركزي المؤدي من خان يونس إلى الشمال "يشكل ساحة معركة" وهو مغلق الآن.
وقال فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إن استئناف العملية العسكرية الإسرائيلية يكرر "أهوال الأسابيع الماضية" من خلال تهجير السكان الذين نزحوا في السابق واكتظاظ المستشفيات وزيادة عرقلة العمليات الإنسانية بسبب الإمدادات المحدودة.
وأضاف لازاريني "أمر الإخلاء يدفع الناس إلى التركز ضمن ما يقل عن ثلث قطاع غزة. إنهم بحاجة إلى كل شيء: الغذاء والماء والمأوى، وفي المقام الأول الأمان. الطرق المؤدية إلى الجنوب مسدودة".
"لا يوجد مكان آمن"
فر ما يصل إلى 80 في المئة من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من منازلهم خلال الحرب المستمرة منذ ثمانية أسابيع والتي حولت مساحات شاسعة من القطاع إلى أرض مقفرة.
وأمرت إسرائيل الفلسطينيين أمس الاثنين بمغادرة أجزاء من مدينة خان يونس، مشيرة إلى أنه يتعين عليهم التحرك نحو ساحل البحر المتوسط ونحو رفح، وهي مدينة رئيسية قريبة من الحدود المصرية.
وحزم السكان اليائسون في خان يونس أمتعتهم وتوجهوا نحو رفح. وتحرك معظمهم سيرا على الأقدام ومروا بجوار المباني المدمرة في موكب مهيب وصامت.
وقال لازاريني إن أمر الإخلاء إلى أماكن أكثر أمانا لا يضمن حماية المدنيين.
وتابع "قلنا ذلك مرارا. ونقوله مجددا. لا يوجد مكان آمن في غزة، سواء في الجنوب أو الجنوب الغربي، سواء في رفح أو في أي مكان يسمى من جانب واحد ’منطقة آمنة’".
وفي واشنطن، قال مسؤولون إنه من السابق لأوانه القول بشكل قاطع ما إذا كانت إسرائيل تتبع النصح الأميركي باتخاذ خطوات ملموسة لضمان حماية المدنيين، لكن متحدثا باسم وزارة الخارجية اعتبر أن سعي إسرائيل إلى عمليات إجلاء من المناطق المستهدفة بدلا من إجلاء مدن بأكملها يعد "تحسنا".
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن واشنطن تتوقع من إسرائيل تجنب مهاجمة المناطق التي تم تحديدها على أنها مناطق "غير مستهدفة بالقصف" في غزة.
وأضاف أن الولايات المتحدة بحثت مع إسرائيل المدة التي ينبغي أن تستمر فيها الحرب مع حماس، لكنه رفض الكشف عن الإطار الزمني.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن إسرائيل تأخذ ما تحتاج من وقت لإصدار أوامر إجلاء أكثر تحديدا بهدف الحد من سقوط قتلى ومصابين من المدنيين، لكن لا يمكنها استبعاد ذلك تماما.
وأردف المسؤول "نحن لم نبدأ هذه الحرب. نأسف لسقوط ضحايا من المدنيين، لكن عندما تريد مواجهة الشر، عليك أن تعمل".
وشنت إسرائيل هجومها وقصفها المدمر على القطاع المكتظ للقضاء على حماس ردا على هجوم شنه مسلحوها عبر الحدود في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على بلدات حدودية. وقتل المسلحون 1200 شخص واحتجزوا 240 رهينة، وفقا للإحصائيات الإسرائيلية، وهو اليوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل الممتد 75 عاما.
وأطلق سراح أكثر من 100 من الرهائن خلال هدنة استمرت سبعة أيام الشهر الماضي. وتقول السلطات الإسرائيلية إن سبعة مدنيين وضابطا في الجيش برتبة كولونيل قتلوا وهم رهن الاحتجاز، بينما لا يزال هناك 137 رهينة في غزة.
وقالت وزارة الصحة في القطاع إنه خلال الأسابيع الثمانية من الحرب، قُتل ما لا يقل عن 15899 فلسطينيا، 70 بالمئة منهم من النساء أو من تقل أعمارهم عن 18 عاما. ويقولون إن آلافا آخرين في عداد المفقودين ويخشى أن يكونوا مدفونين تحت الأنقاض، كما قتل نحو 900 شخص منذ انتهاء الهدنة يوم الجمعة.
وتتهم إسرائيل حماس بتعريض المدنيين للخطر من خلال العمل من مناطق مدنية، بما في ذلك الأنفاق التي لا يمكن تدميرها إلا بقنابل كبيرة. وتنفي حماس ذلك.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال أمس الاثنين عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إسرائيل أقامت نظاما كبيرا من المضخات قد يستخدم لغمر الأنفاق التي تستخدمها حماس أسفل القطاع بالمياه في محاولة لإخراج مقاتليها.