تشكّل المعركة التي خاضها الجيش الأردني لساعات مع مجموعات مسلحة حاولت اجتياز حدوده الشمالية مع سوريا نقطة تحول في عمليات التهريب، وتسلط الضوء على طبيعة الأطراف المسيطرة على الجانب الآخر من الحدود.
والمواجهات التي استمرت لأكثر من 14 ساعة انتهت بإعلان الأردن إلقاء القبض على 9 مهربين وضبط 4 ملايين حبة "كبتاغون" وأسلحة وذخائر وصواريخ وتدمير سيارة محمّلة بالمتفجرات.
كما تم الكشف عن "مخطط لاستهداف الأمن الوطني"، كما جاء في بيان نقلته وسائل إعلام رسمية عن مصدر عسكري، وتبع ذلك سلسلة غارات جوية ضربت مواقع في محافظتي درعا والسويداء السوريتين، المحاذيتين للحدود.
ووفق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" وناشطون في جنوب سوريا توزعت المواقع التي استهدفتها الغارات والتي تحمل بصمات الأردن دون أن تتبناها عمّان كاملة على منطقة المتاعية القريبة من الحدود والتابعة لمحافظة درعا ومنطقة ذيبين والشعاب وصلخد المحسوبة على محافظة السويداء.
وتقع المناطق المستهدفة بالقرب من الحدود مع الأردن، وحسب ما نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مخابرات إقليمية استهدفت الضربات الجوية "مخابئ لمهربي المخدرات المدعومين من إيران".
المصادر قالت للوكالة أيضا إن "القصف استهدف منازل كبار تجار المخدرات ومزارع أظهرت معلومات المخابرات أنها مخابئ آمنة للمهربين المدججين بالسلاح الذين استخدموا أيضا مسيرة لإسقاط شحناتهم".
من يسيطر على الحدود؟
ورغم أن الحكومة السورية فقدت سيطرتها على الحدود السورية مع الأردن بعد تحول الحراك السلمي إلى مسلح إبان انطلاقة الثورة السورية في 2011 استعادت زمام المبادرة العسكرية والأمنية بعد عام 2018 عندما دخلت إلى درعا بموجب اتفاق "تسوية" رعته موسكو.
وأتاح الاتفاق للنظام إعادة نشر قواته المعروفة محليا بـ"الهجانة" على طول الحدود وفي غالبية النقاط التي تتوزع من منطقة وادي اليرموك في أقصى الجنوب الغربي وحتى الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، وهي التي كانت خاضعة بالأساس لسيطرته ولم يتغير النفوذ فيها.
يبلغ طول الحدود السورية- الأردنية حوالي 370 كيلومترا، وتمتد من منطقة وادي اليرموك التابعة لدرعا، وصولا إلى المثلث العراقي- السوري- الأردني.
ولا ترتبط محافظتي درعا والسويداء إداريا بالحدود مع الأردن فقط، بل يشمل ذلك محافظة ريف دمشق، والتي تتصل معها بمناطق صحراوية مفتوحة وتحسب على سيطرة النظام، ويعتقد أن غالبية عمليات التهريب تنطلق من خلالها.
ولم يعلّق النظام السوري حتى ساعة إعداد هذا التقرير على "المعركة" التي قال الجيش الأردني إنه خاضها الاثنين، وكذلك الأمر بالنسبة للغارات التي استهدفت مواقع في السويداء ودرعا.
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان الثلاثاء أن "خمسة سوريين بينهم امرأة وطفلان قتلوا في ضربات جوية شنها الجيش الأردني قرب الحدود الاردنية-السورية على مواقع تنطلق منها عمليات تهريب المخدرات باتجاه المملكة".
وأوضح المرصد أن "الطيران الحربي الأردني نفذ سلسلة من الغارات الجوية استهدفت مناطق تنطلق منها عمليات تهريب تجار المخدرات المقربين من حزب الله اللبناني والأجهزة الأمنية السورية"، مشيرا إلى أن "إحدى الضربات على منطقة صلخد بريف السويداء أدت إلى مقتل تاجر المخدرات ناصر فيصل السعدي"، المقرب من حزب الله والنظام السوري.
وضمن البيان الذي نشره الجيش الأردني أوضح أن المواجهات خاضها "ضمن نطاق مسؤولية المنطقة العسكرية الشرقية"، وهي الجزء الذي يصل الحدود من جهة منطقة بادية الحماد بريف محافظة دمشق، كما يقول مدير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف.
ويضيف معروف أن المواجهات ومحاولة عبور المهربين يعتقد أنها انطلقت من منطقة الحرّة الواقعة في البادية، وأن الإعلان عن استهداف سيارة تحمل متفجرات يشي بأن المحاولة كانت من الصحراء، كون المساحة واسعة للمناورة.
"إمداد من العمق"
ودائما ما تحمّل عمّان مسؤولية عمليات التهريب لميليشيات "تدعمها قوى إقليمية" في إشارة مبطنة إلى إيران.
وتقول في المقابل إن حالة التصاعد ترتبط بضعف السلطة في سوريا، وبغطاء توفره أطراف داخل "الجيش السوري".
وفي غضون ذلك يشير مسؤولون أردنيون وكتّاب مقربون من السلطة إلى ضلوع ميليشيات تابعة لإيران و"حزب الله"، وأنها تنتشر على طول الحدود، وتحظى بغطاء أمني من "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري.
ويعتبر النظام السوري صاحب السيطرة الأكبر على الحدود الجنوبية مع سوريا.
ومع ذلك هناك جزء تسيطر عليه قوات "جيش سوريا الحرة" والقوات الأميركية، والمعروف باسم "قاعدة التنف" ومنطقة الـ55 كيلومترا.
"لا شيء ثابت"
ولأكثر من مرة زار الملك الأردني عبد الله الثاني الحدود الأردنية السورية، وأطلق سلسلة رسائل وتهديدات تتعلق بإصرار جيشه على مواجهة الحرب العابرة للحدود.
وفي أعقاب تحركات التطبيع العربي الأخيرة التقى وزير خارجيته أيمن الصفدي، مع مسؤولين في دمشق، وناقشوا قضايا عدة، على رأسها "التهريب العابر للحدود"، وصولا إلى اجتماع قادة الجيش والاستخبارات.
لكن هذه اللقاءات لم تفض إلى تطورات ملموسة على الأرض، وعلى العكس أخذت عمليات التهريب منحى تصاعدي لتصل إلى حد تهريب الأسلحة الثقيلة والمتفجرات.
الباحث في "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، نوار شعبان، يوضح أن "المهربون لا يعتمدون على أي شيء ثابت في عملياتهم على الحدود"، مستبعدا أن يكون تركيزهم على جزء معين دون غيره.
ويقول: "نتحدث عن قضية كبيرة وعصابات ليست محلية بل دولية، وتستخدم كل ثغرة من الحدود، من درعا ووصولا إلى المثلث الحدودي".
ويعتقد شعبان أن الضربات الجوية استهدفت مخازن مخدرات وأسلحة، وتستخدم كمحطة في الوسط، "ما بين الإنتاج والعبور إلى الهدف".
ويضيف: "من الصعب إنتاج المخدرات في المناطق المستهدفة نظرا لجغرافيتها. هي مناسبة للتخبئة والتخزين وما حصل ضرب شحنة دون ضرب العملية بأسرها".
وترتبط محافظة درعا بشريط حدودي قصير جدا مع الأردن، وعلى جانبيه توجد قرى وبلدات و"حرس حدود وهجانة" وليس مناطق مفتوحة.
ولذلك "من المستبعد أن تمر معظم عمليات التهريب من هذه المنطقة"، كما يقول الناشط المعارض، عمر الحريري.
الحريري يعود بالذاكرة إلى عام 2011 ويوضح أن الأردن أقدم على ضبط حدوده مع درعا بشكل كبير حينها استعدادا لمنع موجات لجوء كبيرة، وبعد 2018 تعزز ذلك، وهو ما انعكس على سياق التهريب ككل.
ويضيف: "العمليات من درعا للأردن شبه غير موجودة، على عكس كلما انتقلنا شرقا حيث يبدأ ظهور المناطق المفتوحة والصحراوية، سواء التابعة لمحافظة السويداء أو بادية الحماد الخاضعة لسيطرة النظام".
وقال الناطق باسم الحكومة الأردنية، مهند مبيضين، إن "الأردن تحدث في أكثر من مناسبة عن أن هذه المواجهة مستمرة ويخوضها ضد القوى التي تريد أن تنشر المخدرات وتهرّب السلاح وتطور في قدراتها كلما مر الوقت".
وأضاف مبيضين، حسبما نقلت وسائل إعلام أردنية عنه: "كنا نتمنى أن تقوم الحكومة السورية باتخاذ إجراءات واضحة لوقف الفوضى الموجودة ووقف هذه العمليات"، إلا أن ذلك لم يتحقق، وبالتالي فإن "الأردن سيقوم باتخاذ جميع الإجراءات في مواجهة هذه المخاطر".