رغم أن القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية في سوريا ليس جديدا، تحمل الضربات ذات المسار التصاعدي منذ الحرب في غزة طابعا مختلفا من زاوية الهدف ومسارات تحقيقه على الأرض.
وتعرضت قاعدة جوية للنظام السوري في جنوب سوريا لقصف نسب لإسرائيل، وتزامن مع آخر استهدف مواقع عسكرية في محيط العاصمة دمشق. وهما حادثان أعقبا مقتل القيادي الإيراني الكبير في "الحرس الثوري"، رضي موسوي بثلاثة أيام فقط.
وقتل موسوي بـ3 صواريخ قالت طهران إنها "إسرائيلية" واستهدفت منزله الكائن في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، وهو يعتبر مسؤول عملية تنسيق إدخال الأسلحة الإيرانية إلى سوريا بداية، ومن ثم إلى "حزب الله" في لبنان، وفق مصادر إسرائيلية وإيرانية متقاطعة.
كما تصفه وسائل إعلام عبرية، بينها "يديعوت أحرونوت"، بـ"همزة الوصل بين الإيرانيين وحزب الله، ومسؤول إمداد الطائرات بدون طيار التي تحاول الفصائل الموالية لإيران في العراق وسوريا إرسالها إلى إسرائيل".
ما الجديد إسرائيليا؟
المصادر العسكرية الإقليمية ذكرت أن تكثيف الغارات الإسرائيلية على سوريا يرتبط بـ"مساعي تعمل عليها طهران بصورة متسارعة"، وأن "الأخيرة تكثف جهودها لتزويد سوريا بأنظمة دفاع جوي يمكن أن تقلل فعالية القصف".
ويرتبط الهدف الإيراني "بحسابات حرب غزة في حال اتساع نطاق الصراع هناك"، وفق المصادر التي لم تسمها الوكالة.
وتابعت: "الحملة الإسرائيلية المكثفة تستهدف تعطيل أنظمة الدفاع الجوي السورية، التي شاركت إيران في توسيعها".
صحيفة "يديعوت أحرونوت" من جانبها أشارت في مقال تحليلي إلى أن "إيران تعمل على تسريع نقل الأسلحة الدقيقة إلى حزب الله، استعدادا لصراع واسع النطاق في الشمال".
و"كصورة معكوسة للأميركيين الذين يدعمون إسرائيل، تسرّع إيران عملية تسليم الصواريخ والقذائف عبر سوريا لوكيلها حزب الله"، حسب تعبير المحلل العسكري الإسرائيلي وكاتب المقال، رون بن يشاي.
وتحاول أيضا، وفق المحلل نقل أنظمة دفاع ضد المروحيات والطائرات بدون طيار الإسرائيلية التي يستخدمها "حزب الله" بالفعل، والمعروفة بصواريخ "المنتج 358".
وهذه الصواريخ (358) استخدمها "حزب الله" خلال الفترة الأخيرة ضد مسيّرة إسرائيلية، كما جاء في المقال التحليلي، واستخدمها الحوثيون في اليمن أيضا في إسقاط الطائرة الأميركية بدون طيار فوق البحر الأحمر.
وهي من صناعة إيرانية، ويمكن تشبيهها بــ"المسيرة التي تستخدم في أغراض الدفاع الجوية".
"حرب صاروخية في الظل"
ومنذ الحرب في غزة ركّزت إسرائيل في ضرباتها في سوريا على مطاري دمشق وحلب الدوليين، وتحرص حتى الآن على إبقائهما خارج الخدمة، ودائما ما تشير وسائل إعلام عبرية إلى أن المرفقين المذكورين تستخدمهما إيران لنقل شحنات الأسلحة.
وفي غضون ذلك لا يعتبر اهتمام إيران في نقل الصواريخ إلى "حزب الله" ومنظومات الدفاع الجوي حديثا، بل سبق وأن تسلطت الأضواء على هذه المساعي كثيرا، والتي دائما ما كانت تقابلها إسرائيل بالقصف، وبموجب الحرب التي تقودها "في الظل".
ويوضح الباحث المهتم بمتابعة النشاطات الإيرانية في سوريا، ضياء قدور أن "الصواريخ الإيرانية من نوع 358 بطيئة ولا تشبه أي صاروخ من منظومات الدفاع الجوي".
ويمكن أن تستهدف "مسيّرات استطلاعية لكنها غير مجدية من الناحية العملية للتصدي للطائرات الإسرائيلية".
ويتحدث قدور عن عمل إيراني بدأ منذ سنوات لدعم "حزب الله" بمنظومات دفاع جوي وكذلك نظام الأسد في سوريا.
ويشير إلى أن "هدف طهران يرتبط بالأساس بإنشاء شبكة دفاع جوي تكون مستقلة وخارج شبكات الدفاع السورية التي تدار من جانب الروس".
ويقول رون بن يشاي في "يديعوت أحرونوت" إن إسرائيل تعطّل محاولات إيران نشر الصواريخ في سوريا، وخاصة في المطار العسكري بالعاصمة دمشق، حيث تصل بعض الشحنات إليه، وإلى مواقع أخرى.
"الصواريخ الاعتراضية التي يسميها الإيرانيون (358) ويطلق عليها في الغرب وإسرائيل اسم SA-67 موجهة ضد الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض والمروحيات والمسيّرات، وضد الصواريخ قصيرة المدى"، حسب بن يشاي.
ويشير إلى أن "إيران قامت بالفعل بتجهيز حزب الله بكمية كبيرة منها، وهم الآن يطلقونها على الطائرات الإسرائيلية بدون طيار العاملة في لبنان".
ما هو صاروخ "358"؟
وتقتصر قدرات "حزب الله" على الاشتباك مع الأهداف الجوية حاليا على المدافع المضادة للطائرات قصيرة المدى، ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة مثل منظومتَي "ستريلا-3" و"إيغلا-1" الروسيتي الصنع، حسب تحليل لـ"معهد واشنطن".
كما يستخدم منظومة "ميثاق" الإيرانية (نسخة من الصاروخ الصيني "كيو دبليو -1")، وما يعرف بصواريخ كروز من طراز "البند 358" للدفاع الجوي، وهو الذي يتردد الحديث عنه كثيرا.
تحليل المعهد الأميركي يشير إلى أن النظام الإيراني سعى من خلال محاولة تنفيذ عمليات نقل الأسلحة إلى العراق وسوريا أو التخطيط لها، إلى تعقيد العمليات الجوية لإسرائيل في منطقة واسعة تمتد من حدوده الغربية وصولا إلى لبنان.
ويضيف أنه تبين منذ عام 2018 أن إيران تعمد إلى نقل صواريخ كروز من طراز "البند 358" للدفاع الجوي، ليس فقط إلى "حزب الله"، ولكن أيضا إلى الميليشيات العراقية وحتى إلى الحوثيين اليمنيين.
ومن المرجح أن هذا السلاح الذي يعمل بالطاقة النفاثة قد تم استخدامه خلال حادثة وقعت في 8 نوفمبر، حيث أسقط الحوثيون طائرة استطلاع أميركية بدون طيار من طراز "إم. كيو-9" فوق المياه اليمنية.
يحتوي "358" على جهاز استقبال بالأشعة تحت الحمراء، "مما يجعله جيدا لأنه يصعب التشويش عليه أو تنفيذ تدابير مضادة ضده".
وكان الإيرانيون قدموه للحوثيين بنسخ مختلفة، واستخدموه في حادثة الطائرة الأميركية الأخيرة وقبلها الطائرة صينية الصنع التابعة للتحالف بقيادة السعودية.
وبينما يمكنه أن يسقط طائرات الهيلوكوبتر والطائرات بدون طيار المخصص من أجلها، ليس بمقدره فعل ذلك ضد الطائرات الحربية النفاثة، كما يؤكد هينز.
"سوريا حجر الزاوية"
ولا يعرف حتى الآن مآلات القصف الجوي المتكرر على سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة لحادثة مقتل موسوي، وهو أبرز قيادات "الحرس الثوري" الإيراني.
ووفق خبراء عسكريين إسرائيليين نقلت عنهم "رويترز" فإن الضربات هي جزء من تصعيد لصراع منخفض الحدة بهدف إبطاء ترسيخ إيران المتزايد في سوريا.
وتشكل سوريا محطة وسطى لنقل الأسلحة والذخائر لـ"حزب الله" في لبنان، ولطالما تحدث الإسرائيليون عن طرق برية وجوية وبحرية لتحقيق هذا الهدف.