وسّعت إسرائيل ميدان مواجهتها مع حماس وحزب الله ومن خلفهما إيران، حيث تخطّت تبادل قصف المواقع والبنى التحتية إلى عمليات الاغتيال، ناقلة الصراع إلى مرحلة جديدة، حيث نجحت خلال مدة زمنية قصيرة باستهداف قادة لما يعرف بـ"محور الممانعة"، عبر عمليات عسكرية وأمنية، تجاوزت حدود غزة وجنوبي لبنان إلى سوريا ومعقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت.
فمن دون تهديد، بدأت عمليات اغتيال مسؤولين في حزب الله وإيران، وذلك على عكس العمليات التي طالت قادة حماس، حيث سبق أن توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ورئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" رونين بار، ووزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بتصفيتهم "في كل مكان بالعالم".
وتطرح الاستهدافات المباشرة علامات استفهام بشأن الوسائل التي تمكّنها من ضرب أهدافها، وفيما إن كان ذلك مرتبط بقدراتها التقنية، أم بثغرات أمنية في صفوف أعدائها، استغلتها لتنفيذ عملياتها.
هل حزب الله مخترق؟
"في كل الحروب، يستهدف القادة المتقاتلون بعضهم البعض"، كما يذكر العميد المتقاعد خليل الحلو، مضيفاً: "إذا سنحت الفرصة لقادة حزب الله وحماس، لن يتوانوا عن استهداف قادة إسرائيليين".
وعن تمكّن إسرائيل من تحديد مكان المستهدفين، يجيب الحلو: "من المؤكد أنها بدأت مراقبتهم منذ مدة، وليس ضرورياً أن يكون ذلك نتيجة خرق داخلي لصفوف حزب الله، فالإمكانيات الأمنية الإسرائيلية متقدمة جداً، وتشمل الوسائل الإلكترونية المتطورة، والطائرات المسيرة، والطيران الاستطلاعي، والأقمار الاصطناعية، وأجهزة الرصد التي يعلن حزب الله تدميرها على الحدود".
لكن الحلو يشدد على أنه "حتى لو دمّر حزب الله الكاميرات وأجهزة الاستشعار على الأرض، فإن أجهزة المراقبة في الطائرات المسيرة ومناطيد الاستطلاع والأقمار الاصطناعية تحل مكانها، وهذا النوع من التقنيات تبيعه إسرائيل إلى عدة دول، كالهند وألمانيا، ودون أن ينفي ذلك وجود مخبرين لها على الأرض".
وكذلك يقول العميد المتقاعد، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، الدكتور هشام جابر، موضحا أن "لجوء إسرائيل إلى عمليات الاغتيال، كان متوقعاً نتيجة فشلها في حرب غزة".
ويرى الجابر أنه بمرور الزمن "تطورت وسائل وطرق الاغتيال.. وهي تتم إما من خلال عملية عسكرية كتلك التي استهدفت العاروري، أو عبر عملية أمنية استخباراتية، أي بكمين مسلح أو تفخيخ سيارة أو عبوة ناسفة".
ويشرح جابر للحرة: "في تسعينيات القرن الماضي، اغتيل الأمين العام لحزب الله، عباس الموسوي، بواسطة طائرة حربية، لكن اليوم تلعب الطائرات المسيرة هذا الدور، إذ تعتبر أسهل وسيلة لإنجاز هذه المهمة، حيث لا يستغرق تحديد الهدف واستهدافه سوى نصف ساعة".
ويسبق عملية الاغتيال، بحسب جابر، "مراقبة الشخص المستهدف بواسطة أجهزة متطورة وعملاء على الأرض، كما حصل في بيت ياحون حين استهدف منزلاً كان مركزاً لعقد اجتماعات لمسؤولين في حزب الله، من وقت إلى آخر ولفترة قصيرة، حيث أخبر أحد العملاء الإسرائيليين بتواجد من بداخله"، مؤكداً "اختراق حزب الله من قبل العملاء ليس كبيراً، بل ضمن الحدود الطبيعية".
ويتابع: "حتماً هناك عملاء، لكن في ذات الوقت بات تحديد مكان أي شخص متاحاً للجميع، من خلال الهواتف وشرائح خاصة، وعلى المسؤولين أخذ حذرهم وتبديل هواتفهم بين الحين والآخر".
وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قد اعتبر اغتيال العاروري "خرقا كبيرا وخطير"، مهدداً بأن "الرد آت لا محالة"، فيما قدّمت الحكومة اللبنانية شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن العملية.
واعتبر نصر الله في كلمة متلفزة، الجمعة، أن "حزب الله لا يمكنه أن يصمت حيال خرق بهذا المستوى"، وأن "عدم الرد يجعل كل لبنان مكشوفاً".
وفي إطار "الرد الأولي" على اغتيال العاروري، كما وصف الحزب في بيان، قصف الأخير، السبت، قاعدة ميرون الإسرائيلية للمراقبة الجوية، على قمة جبل الجرمق، بأكثر من 62 صاروخاً".
بحسب العميد المتقاعد، ناجي ملاعب، يتطلب قصف حزب الله لإسرائيل "تنقل مقاتليه وتحضير الصواريخ، وكل ذلك يجري تحت مراقبة جوية من قبل إسرائيل عبر الأقمار الاصطناعية والمسيرات ومنطاد أدخل حديثاً إلى الخدمة".
ويوضح ملاعب أن التقنيات الإسرائيلية كبيرة، مردفا في حديثه إلى موقع الحرة: "عندما يوعز حزب الله لسكان البلدات الجنوبية التي تنتشر فيها قوات الطوارئ الدولية بعزل كاميرات المراقبة المثبتة في المنازل والشوارع عن الإنترنت، فهذا يعني أنه يخشى من أن تستفيد إسرائيل منها".
ويشدد على أنه هناك عدة أهداف تصبو إسرائيل إلى تحقيقها من عودتها إلى تنفيذ عمليات اغتيال، تشمل "إحباط الروح المعنوية لحماس وحزب الله، واستدراج الأخير للرد لإعطائها مبررا لطلب الدعم الأميركي الذي ما زال موجوداً في المنطقة، ويتمثل في البوارج الحربية، والقاعدة الأميركية في البحرين".
ويضيف: "تحاول الولايات المتحدة تجنب الانجرار إلى جبهة جديدة تحارب فيها مباشرة، لذلك سحبت حاملة طائراتها من البحر المتوسط، كرسالة توضيح لموقفها لإسرائيل وإيران"، معتبراً إشارة وزير الدفاع الإسرائيلي إلى أن بلاده تقاتل على 6 جبهات "تطور خطير، وقد يكون ضمن استراتيجية تتبعها إسرائيل خارج غزة، ولن تستطيع وحدها القتال في تلك الجبهات، مما يستجدي تدخلا أميركيا".