دولي

صِدام إيران وباكستان يعود للحدود المضطربة وليس الشرق الأوسط

صِدام إيران وباكستان يعود للحدود المضطربة وليس الشرق الأوسط

كشف ثلاثة مسؤولين إيرانيين ومصدر مطلع على الشأن الإيراني ومحلل إن الهجوم الإيراني على باكستان الذي دفع إسلام اباد للرد العسكري السريع وأثار مخاوف من حدوث اضطرابات إقليمية أكبر، كان مدفوعا بسعي إيران لتعزيز أمنها الداخلي وليس طموحاتها في الشرق الأوسط.

وقال محللان ومسؤولان إن البلدين الجارين، اللذين يملكان قدرات عسكرية كبيرة، وبينهما خلافات في أحيان كثيرة بسبب الاضطرابات على الحدود، يرغبان على ما يبدو في احتواء التوتر الناجم عن أكبر عملية اختراق عبر الحدود في السنوات الأخيرة.

وأشاعت إيران حالة من الصدمة عبر المنطقة، بضربة صاروخية ضد من وصفتهم بمسلحين سنة متشددين في جنوب غرب باكستان. وردت باكستان بعدها بيومين بهجوم على ما قالت إنهم مسلحون انفصاليون في إيران، في أول ضربة جوية على الأراضي الإيرانية منذ الحرب الإيرانية العراقية التي دارت رحاها بين عامي 1980 و1988.

وكان هجوم طهران أحد أقوى الهجمات التي تشنها إيران عبر الحدود على جماعة جيش العدل السنية المتشددة في باكستان. وتقول إيران إن الجماعة على صلة بتنظيم الدولة الإسلامية. وانتمى كثيرون من أعضاء جيش العدل لجماعة متشددة أخرى تفككت لاحقا عرفت باسم جند الله بعدما بايعت تنظيم الدولة الإسلامية.

وفاقمت هذه الخطوة مخاوف عدم الاستقرار في الشرق الأوسط التي انتشرت منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في أكتوبر تشرين الأول. وشنت جماعات متحالفة مع إيران في اليمن ولبنان والعراق ضربات على أهداف أمريكية وإسرائيلية تضمنت استهداف سفن في البحر الأحمر تضامنا مع الفلسطينيين في غزة.

وجاءت أيضا بعد يوم من شن إيران هجمات في العراق وسوريا قالت إنها استهدفت عمليات تجسس إسرائيلية وأنشطة للدولة الإسلامية في البلدين على الترتيب.

لكن الضربات المتبادلة بين إيران وباكستان وقعت بعيدا عن منطقة الحرب تلك، وفي بقاع حدودية نائية حيث طالما نفذت جماعات انفصالية ومتشددون إسلاميون هجمات على أهداف حكومية كانت تدفع مسؤولين بالبلدين في الغالب لتبادل الاتهامات بشأن المتورطين عن إراقة الدماء.

وقال جريجوري برو، المحلل في شركة أوراسيا جروب لاستشارات المخاطر الدولية، إن ضربات طهران مدفوعة إلى حد كبير بقلقها المتزايد من مخاطر العنف الداخلي المسلح في أعقاب الهجوم الفتاك في الثالث من كانون الثاني/ يناير الذي أعلنت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عنه.

وقال برو "هناك كثير من الضغط الداخلي للقيام بشيء، والقيادة تستجيب لهذا الضغط".

ولم يتسن على الفور الوصول لمتحدثين من وزارتي الخارجية بالبلدين للتعليق.

رد باكستاني ساحق بحسب المراقبين

استدعت باكستان سفيرها من إيران احتجاجا على الهجوم. ونددت طهران بشدة بالضربات الباكستانية وقالت إنها أودت بحياة مدنيين كما استدعت أكبر دبلوماسي باكستاني في إيران لتقديم تفسير.

لكن لم تسع أي من الحكومتين في تصريحاتهما إلى الربط بين صراعهما وحرب غزة أو الهجمات التي نفذتها مجموعة من الجماعات المتحالفة مع إيران لدعم الفلسطينيين.

وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان إن "إيران تعتبر أمن شعبها وسلامة أراضيها خطا أحمر" وتتوقع من باكستان "الصديقة والشقيقة" أن تمنع وجود قواعد للمتشددين المسلحين على أراضيها.

وكان الدافع وراء التصعيد بالنسبة لإيران هو التفجير المدمر الذي وقع في الثالث من يناير كانون الثاني وأودى بحياة نحو 100 شخص في مراسم بمدينة كرمان بجنوب شرق البلاد لإحياء ذكرى القائد العسكري قاسم سليماني الذي قُتل في هجوم بطائرة أميركية مسيرة عام 2020.

وكان سليماني، مهندس جهود إيران لتوسيع نفوذها عبر الشرق الأوسط، بطلا في نظر أنصار المؤسسة الحاكمة المتشددة. وتعهدت طهران بالانتقام من تنظيم الدولة الإسلامية، الجماعة السنية المتشددة التي أعلنت مسؤوليتها عن التفجيرات.

ووصف أحد المطلعين على الشأن الإيراني وهو مقرب من رجال الدين تفجير كرمان بأنه كان "إحراجا للقيادة" أظهر ضعف الأمن الإيراني.

وقال المصدر إن هجوم الثلاثاء استهدف إبراز قدرات المنظمات الأمنية في البلاد وسط مخاوف الإيرانيين من ضعف الأمن.

وأضاف "مثل هذه الهجمات الإرهابية ستحظى برد ساحق من إيران".

واعتقلت إيران عشرات أيضا وصفتهم بالارتباط بالدولة الإسلامية.

وأصابت الصواريخ الإيرانية قاعدتين لجماعة جيش العدل في إقليم بلوخستان جنوب غرب باكستان المتاخم لإيران. وتعتبر إيران ذات الأغلبية الشيعية الجماعة السنية المتشددة تهديدا لأمنها.

وقال مسؤول أمني إيراني كبير لرويترز إن إيران قدمت لباكستان أدلة على تورط جيش العدل في هجوم كرمان وتنسيقه له لوجستيا وطلبت من باكستان التحرك ضده. وأضاف أن إيران حصلت على أدلة تشير إلى أن أعضاء في الجماعة كانوا من بين عدد من المتشددين الذين يخططون لهجمات أخرى في إيران.

وأضاف المسؤول الذي اشترط عدم الكشف عن هويته "حذرنا الجميع من أن أي إجراء ضد أمتنا وأمننا القومي لن يمر دون رد".

إيران لا تريد التصعيد لكن للصبر حدود

وقال برو إن إيران تضغط على إسلام اباد منذ سنوات لتعالج مسألة وجود متشددين بالقرب من حدودها مشيرا إلى أن الهجوم الصاروخي كان علامة على نفاد صبر طهران.

ولكن لا تزال إيران ترى دورها ونفوذها في الشرق الأوسط محورا أساسيا في أهدافها الأمنية.

وقال برو إن الضربة الإيرانية على الأراضي الباكستانية تشير أيضا إلى رغبة طهران في أن تظهر لأعدائها وحلفائها على السواء عزمها على الدفاع عن أمنها وسط الأزمة الإقليمية المتعلقة بغزة.

وقال مايكل كوجلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون البحثي بواشنطن، إن التوتر الأمني على الحدود مشكلة قائمة منذ فترة طويلة بين إيران وباكستان.

وأضاف أن وقف التصعيد سيكون صعبا على المدى القريب "نظرا للتوتر الشديد".

لكن البلدين لا يرغبان في الصراع على ما يبدو. وفي تصريحات علنية أشارت إيران وباكستان إلى أن الهجمات لم تستهدف أيا من مواطني البلدين وإلى أنهما لا يريدان التصعيد.

وقال كوجلمان إن البلدين قد يرحبان بحوار ثنائي ووساطة محتملة من طرف ثالث قد يكون الصين التي لها علاقات طيبة ونفوذ لدى الطرفين.

وأضاف "الدبلوماسية ستكون حاسمة من الآن فصاعدا".

يقرأون الآن