دولي

إيكونوميست: أطول حرب أمريكية تنتهي بهزيمة ساحقة

إيكونوميست: أطول حرب أمريكية تنتهي بهزيمة ساحقة

قوات أمريكية في أفغانستان - أرشيفية

لم تستغرب مجلة "إيكونوميست" البريطانية جواب الرئيس الأمريكي جو بايدن حين سأله مراسل عن تداعيات الانسحاب من أفغانستان: "أريد الحديث عن الأمور المفرحة، يا رجل!".

صحيح أن القاعدة لم تعد قوة كبيرة في البلاد على الرغم من أنه لم يتم القضاء عليها بشكل نهائي. لكن مجموعات إرهابية معادية للأمريكيين لا تزال تعمل في أفغانستان مثل أحد فروع تنظيم داعشمن الواضح أن بايدن أراد تغيير الموضوع بما أن واشنطن حاربت في أفغانستان لعشرين عاماً، منفقة أكثر من تريليوني دولار على الحرب بينما خسرت بضعة آلاف من قواتها وعشرات الآلاف من الأفغان، جنوداً كانوا أم مدنيين. والآن تدعو الولايات المتحدة إلى إنهاء المغامرة المؤسفة بأكملها من دون عرض أي إنجاز تقريباً.

عودة مرعبة

صحيح أن القاعدة لم تعد قوة كبيرة في البلاد على الرغم من أنه لم يتم القضاء عليها بشكل نهائي. لكن مجموعات إرهابية معادية للأمريكيين لا تزال تعمل في أفغانستان مثل أحد فروع تنظيم داعش. تحقق طالبان التي وفرت الملاذ لأسامة بن لادن والتي أطاحها الأمريكيون بعد هجمات 11 سبتمبر عودة مرعبة. هي تسيطر بالكامل على نصف البلاد وتهدد باجتياح النصف الآخر. إن الحكومة الديموقراطية والموالية للغرب والتي صمدت بفضل الدماء والأموال الأمريكية هي فاسدة ومكروهة على نطاق واسع وفي تراجع مستمر.

مشهد محبط

نظرياً، تتفاوض حكومة كابول المدعومة أمريكياً مع طالبان حول اتفاق سلام يلقي بموجبه المتمردون السلاح ويشاركون في نظام سياسي معاد تصميمه. وفقاً للسيناريو الأفضل، إن الدعم الأمريكي المالي والعسكري للحكومة مقروناً بضغط هائل على أصدقاء طالبان مثل باكستان يمكن أن ينجح في إنتاج شكل من أشكال تقاسم السلطة. لكن حتى لو حصل ذلك، واحتمالاته قليلة بحسب المجلة، فسيكون المشهد محبطاً. ستصر طالبان على المضي في رجعيتها فارضة ثيوقراطية وحشية كتلك التي فرضتها حين كانت في الحكم سابقاً عندما سجنت النساء في منازلهن ومنعت الفتيات من الذهاب إلى المدرسة وأنزلت عقوبات قاسية على "خطايا" مثل ارتداء الملابس الخاطئة أو الاستماع إلى الموسيقى الخاطئة.

الخنق البطيء

ترجح المجلة أن تستخدم طالبان انتصاراتها الميدانية لإطاحة الحكومة بالقوة. لقد اجتاحت بالفعل الكثير من المناطق الريفية بما أن القوات الحكومية منتشرة في المدن والبلدات. في هذا الوقت، تتخلى القوات الحكومية الفاقدة لمعنوياتها عن مراكزها. في الأسبوع الفائت، هرب أكثر من ألف عنصر إلى طاجيكستان آتين من باداخستان. لم تتمكن طالبان من السيطرة والاحتفاظ بأي مدينة وقد ينقصها المقاتلون للاستيلاء على أكثر من منطقة في آن. لذلك، قد تفضل الحركة خنق الحكومة ببطء عوضاً عن مهاجمتها بشكل مباشر. لكن الزخم إلى جانبها بشكل واضح.

المزيد من الدماء

بالحد الأدنى، من المحتمل أن تزداد الحرب الأهلية حدة مع تقدم طالبان وصراع الحكومة من أجل البقاء. ستسعى دول أخرى مثل الصين والهند وإيران وروسيا وباكستان إلى محاولة ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة. وسوف يهرّب البعض الأسلحة والأموال إلى أمراء الحرب. ستكون النتيجة المزيد من إهراق الدماء والدمار في دولة عانت من الحرب المستمرة لأكثر من 40 عاماً. والقلقون من أن تشن طالبان عمليات انتقام ضد السكان المحليين الذين عملوا كمترجمين للأمريكيين يتجاهلون رؤية الصورة الأعم: الولايات المتحدة تترك دولة كاملة بحوالي 40 مليون نسمة لمصير مريع.

حتى انسداد الأفق ثمين

لم يكن على الأمر أن يتم بهذا الشكل، تتابع مجلة إيكونوميست. طوال السنوات الست الماضية، استطاع 10 آلاف جندي أمريكي وعدد مماثل من القوات الأطلسية أن يحافظوا على ثبات الجيش الأفغاني. أدى ذلك إلى حماية الستاتيكو. انخفضت نسبة الإصابات بين الأمريكيين إلى الصفر تقريباً. وأصبحت الحرب التي كانت تغضب الناخبين في السابق غير ذات أهمية في الولايات المتحدة. كما أضحى الحضور الأمريكي في أفغانستان صغيراً جداً كي يؤثر في تركيز الإدارة على الصين وروسيا. ترى واشنطن أن انسداد الأفق في أفغانستان هو دليل على أن لا معنى في البقاء هناك. لكن بالنسبة إلى الأفغان الذين حمتهم واشنطن من طالبان، كان انسداد الأفق ثميناً.

فيتنام أخرى؟

سيكون هنالك نقاش طويل حول مدى تقويض الانسحاب لصدقية ومكانة الولايات المتحدة. على الرغم من ثروتها وجبروتها، لم تفشل واشنطن في تأسيس دولة أفغانية قوية تعتمد على نفسها وحسب، بل أخفقت أيضاً في إلحاق الهزيمة بالمتمردين. ولم تعد الولايات المتحدة مستعدة لدعم الحكومة الأفغانية التي يفترض أنها حليفتها وهذا مفاجئ ومثير لاستياء المسؤولين الأفغان. دونت روسيا والصين هذه الملاحظة وكذلك أصدقاء الولايات المتحدة. لكن كل ذلك لا يجعل من أفغانستان فيتنام أخرى.

فأفغانستان لم تكن حقاً مدار اهتمام البنتاغون أو الأمريكيين. بقي الجنود على الأراضي الأفغانية أكثر بكثير مما فعلوا في فيتنام وتكبدوا خسائر بشرية أقل بكثير من تلك التي تكبدوها في فيتنام. جذبت الحرب على العراق والأزمة المالية اهتماماً أكبر مما فعلته قندهار. أن يرى المراقبون الأجانب في هذا الانسحاب إشارة ضعف أمريكي، فهذا الضعف كان بادياً منذ فترة طويلة.

عودة إلى المربع الأول

إن حياة الأفغان اليوم فقدت الأمان أكثر من أي وقت مضى. أشارت المجلة إلى أن الخسائر في صفوف المدنيين كانت أعلى بـ30% مما كانت عليه سنة 2001، حين بدأ الانتشار العسكري الأمريكي. الاقتصاد ليس أكبر بالمقارنة مع ما كان الوضع عليه منذ عقد. والملالي ليسوا فقط عند أبواب العاصمة: إن قتلَتَهم في الداخل ويستهدفون أي فرد يسيء إلى نظرتهم الضيقة الأفق. لم تكن الولايات المتحدة ستستطيع حل جميع مشاكل أفغانستان على الإطلاق. لكن أن تغادر والبلاد عادت إلى المربع الأول هو تعبير عن فشل ذريع، ختمت المجلة.

24.ae/إيكونوميست

يقرأون الآن