أثارت أوامر إسرائيل لسكان غزة بالتوجه جنوبًا نحو الحدود المصرية، خلال هجومها والأوضاع الإنسانية المتردية، مخاوف العرب والأمم المتحدة من احتمال إجبار الفلسطينيين في نهاية المطاف على عبور الحدود.
وتزايدت هذه المخاوف في الوقت الذي تستعد فيه القوات الإسرائيلية لشن هجوم بري على مدينة رفح الواقعة على الحدود المصرية مباشرة، حيث لجأ مئات الآلاف من النازحين هربًا من العنف في شمالي القطاع تحاصرهم الظروف البائسة.
وقال مصدران أمنيان مصريان: "إنّ القاهرة أرسلت نحو 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى شمال شرقي سيناء خلال الأسبوعين الماضيين، في إطار سلسلة إجراءات لتعزيز الأمن على الحدود مع غزة".
ماذا وراء المخاوف؟
لطالما شعر الفلسطينيون بذكريات النكبة تطاردهم، وتحيطهم بأشباح طرد 700 ألف من منازلهم مع إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948.
فقد طُرد أو فر كثيرون منهم إلى الدول العربية المجاورة، بما في ذلك الأردن وسوريا ولبنان، وما زال كثيرون منهم أو أحفادهم يعيشون في مخيمات اللاجئين في هذه الدول وبعضهم ذهب إلى غزة. وتشكك إسرائيل في الرواية التي مفادها أنهم أُخرجوا من ديارهم.
وشهد الصراع منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر قصفًا إسرائيليًا لم يسبق له مثيل، وهجومًا بريًا في غزة، مما أدى إلى تدمير المناطق الحضرية في جميع أنحاء القطاع. ويقول فلسطينيون ومسؤولو الأمم المتحدة إنّه لم تعد هناك أي مناطق آمنة داخل غزة يمكن اتخاذها مأوى.
ماذا حدث خلال هذا الصراع؟
قبل شن إسرائيل هجومها البري على غزة، طلبت في البداية من الفلسطينيين شمالي غزة الإنتقال إلى ما قالت إنّها "مناطق آمنة في الجنوب". ومع توسع الهجوم، طلبت منهم إسرائيل التوجه جنوبًا نحو رفح.
ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإنّ نحو 85 في المئة من 2.3 مليون نسمة يقطنون قطاع غزة، الذي يعد واحدًا من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم، نزحوا بالفعل من منازلهم وهم الآن مكدسون في منطقة أصغر مساحة بالقرب من الحدود.
ماذا حدث في السابق على حدود غزة؟
لم تقع حرب بهذه الضراوة في غزة من قبل، وفي الصراعات والاشتباكات مع إسرائيل في السنوات القليلة الماضية، لم يحدث فرار جماعي من غزة عبر الحدود. لكن وقعت حوادث تمّ فيها اختراق حدود غزة مع مصر، على الرغم من أن عدد العابرين كان بالمئات أو الآلاف، ولم يكن هؤلاء الأشخاص يبحثون عن مأوى أو يريدون البقاء.
وفي أعقاب الإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في عام 2005، اخترق الفلسطينيون السياج وتسلقه بعضهم مستخدمين الحبال. وفي أحد الأماكن، نفذ مسلحون فلسطينيون عملية ارتطام بحاجز خرساني لإحداث فجوة.
واخترقت "حماس" الحدود مرة أخرى عام 2008 متحدية الحصار الذي فرضته إسرائيل، فيما تشدّد مصر الإجراءات على الحدود بعد أن انتزعت الحركة السيطرة على قطاع غزة عام 2007 من السلطة الفلسطينية. وظلت الحدود مخترقة لمدة عشرة أيام تقريبًا قبل أن تعيد مصر إغلاقها.
هل يمكن حدوث نزوح كبير في هذا الصراع؟
يقول كثير من الفلسطينيين داخل غزة إنّهم لن يغادروا حتى لو أُتيحت لهم الفرصة، لأنّهم يخشون أن يؤدي ذلك إلى نزوح دائم آخر، في تكرار لما حدث في عام 1948. وفي الوقت نفسه، تحكم مصر إغلاق حدودها باستثناء السماح لبضعة آلاف من الأجانب، ومزدوجي الجنسية وعدد قليل آخر بمغادرة قطاع غزة.
وتعارض مصر ودول عربية أخرى بشدّة أي محاولة لدفع الفلسطينيين عبر الحدود.
وتفوق نطاق هذا الصراع على أزمات وانتفاضات غزة الأخرى في العقود الماضية، وتتفاقم الكارثة الإنسانية للفلسطينيين يومًا بعد آخر.
ماذا تقول الدول العربية والأمم المتحدة؟
منذ الأيام الأولى للصراع، قالت الحكومات العربية، لا سيّما مصر والأردن، جارتا إسرائيل، إنّه يتعين ألاّ يُطرد الفلسطينيون من الأراضي التي يريدون إقامة دولتهم عليها في المستقبل، والتي تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتخشى هذه الدول، مثل الفلسطينيين، أن تؤدي أي حركة جماعية عبر الحدود إلى تقويض احتمالات التوصل إلى "حل الدولتين" وترك الدول العربية تتعامل مع العواقب.
ومع تفاقم الأزمة الإنسانية، عبر كبار مسؤولي الأمم المتحدة عن المخاوف نفسها بشأن حدوث نزوح جماعي.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 10 كانون الأول/ديسمبر "أتوقع أن ينهار النظام العام تماما قريبًا، وقد تتكشف فصول هذا في وضع أسوأ يتضمن الأوبئة، وزيادة الضغط من أجل نزوح جماعي إلى مصر".
بدوره، كتب المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني، في صحيفة "لوس انجليس تايمز" في التاسع من كانون الأول/ديسمبر، "التطورات التي نشهدها تشير إلى محاولات نقل الفلسطينيين إلى مصر، بغض النظر عما إذا كانوا سيقيمون هناك أو سيتم إعادة توطينهم في مكان آخر".
ماذا قالت الحكومة الإسرائيلية وساستها؟
تقول الحكومة الإسرائيلية إنّها تطلب فقط من الفلسطينيين مغادرة منازلهم مؤقتًا حفاظًا على سلامتهم، لكن تعليقات بعض الساسة الإسرائيليين، وبعضهم مقربون من الحكومة، تثير مخاوف الفلسطينيين والعرب من نكبة جديدة.
وردًا على سؤال حول هجوم الجيش الإسرائيلي وتهجير سكان غزة، قال وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر للقناة 12 الإسرائيلية في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، إنّ "هذه هي نكبة غزة، ومن الناحية العملية لا توجد طريقة لإدارة الحرب، بالطريقة التي يريدها جيش الدفاع الإسرائيلي داخل أراضي غزة والحشود بين الدبابات والجنود".
وديختر عضو في حزب "ليكود"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو أيضًا وزير في المجلس الوزاري المصغر.
رويترز