ان صدور التعميم ١٦٦ الذي يسدد للمودع ١٥٠ دولارا اميركيا ما هو الا محاولة ترقيعية لقطاع مصرفي ينزف منذ اكثر من اربع سنوات والسلطات تقف متفرجة بانتظار سقوط مصرف تلو اخر دون ان تضع الحلول الناجعة له كأنها تقول له: اذهب دبر رأسك، واذا لم تعد قادرا على الاستمرار فانسحب من السوق المصرفية بينما المفروض ان تعمد الدولة اللبنانية الى الاقرار بمسؤوليتها عن الخسائر التي تعرض لها القطاع وعن كيفية استرداد اموال المودعين التي لغاية الان لا تعترف الدولة بها رغم وجود قوانين لاعادة الانتظام المالي واعادة هيكلة القطاع المصرفي وهي المسؤولة عن الاموال التي انفقتها يمينا وشمالا .
وفي حساب دقيق، فإن التعميم ١٦٦يمارس الهيركات على اموال المودعين لان المودع الذي يملك ١٠٠ الف دولار كوديعة في مصرف بحاجة الى ٥٥ سنة لاستردادها مما يؤدي خلال هذه الفترة الى تآكل هذه الوديعة وتصبح لا قيمة لها بعد مرور الزمن .
وتستغرب مصادر مالية مطلعة للديار اعتبار ما انجزه مصرف لبنان هو افضل الممكن مؤكدة ان المصارف اللبنانية ستطبق التعميم ١٦٦كما طبقت التعميم ١٥٨ لكن لا يمكن الاستمرار في هذه السياسية الترقيعية دون ايجاد الحلول للقطاع المصرفي لان الاستمرار في هذا النزف سيؤدي الى بدء ظهور مصارف غير قادرة على الاستمرار وبالتالي ستخرج من السوق المصرفية لا سيما ان هذه المصارف توقفت عن اعطاء القروض بمختلف اشكالها للمواطنين ولم تعد تساهم في عمليات الاستثمار التي انعدمت في ظل الانهيار المالي وبالتالي انتفت هذه المصارف علة وجودها .
وتشدد هذه المصادر المالية على ان الدولة لم تقف يوما الى جانب المصارف بدليل ما جرى معها خلال السنوات الاربع الماضية ان عبر حكومة حسان دياب باطلاقها خطة لازار التي اعتمدتها للقضاء كليا على المصارف والابقاء على اربعة مصارف اضافة الى تحميلها الخسائر، لكن هذه الخطة سقطت بالضربة القاضية، وكذلك فعلت حكومة نجيب ميقاتي التي اصرت في بدء الامر على تحميل المصارف مسؤولية الخسائر لكنها لم تقدم اي حلول ويعود اليوم نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ليرفع مشروع القانون إلى مجلس الوزراء لتأمين الحماية للودائع المشروعة وتعزيز الاستقرار المالي وإعادة تفعيل القطاع المصرفي ليؤدي دورَه في تمويل القطاع الخاص والمواطن وتحفيز النمو ووضع لبنان على سكة التعافي آخذين بعين الاعتبار استدامة الدين العام وديمومة الدولة في تقديم الخدمات العامة ولكن دون إثقال كاهل المواطنين بأعباء ضريبية إضافية. فلا اقتصاد من دون قطاع مصرفي ولا نمو من دون قطاع خاص. كما يهدف القانون إلى الحد من المخاطر النظامية المتعلِّقة بالقطاع المصرفي كَكُلّ، وتخفيف الاعتماد على اقتصاد النقد الذي إذا استمر سيُلْحِق ضرراً كبيراً بلبنان وبعلاقاته مع المصارف المراسلة والمؤسسات المالية العالمية.
الجدير ذكره ان جمعية المصارف قدمت اكثر من خطة لموضوع الودائع ومنها ان تعترف الحكومة بجزء من مسؤوليتها عن هذه الخسائر .
والشامي نفسه كان قد قدم باسم الحكومة مشروع قانون لاعادة التوازن المالي واعادة هيكلة القطاع المصرفي ما يزال في ادراج مجلس النواب وبالتالي يخشى ان ينام هذا المشروع الجديد اذا سجلت اعتراضات عليه خصوصا من جمعية المصارف .
وتعتبر هذه المصادر ان الحل المنطقي لازمة الودائع هو بانشاء صندوق لاسترداد الودائع وادارة اصول الدولة دون بيعها او تأجيرها والا سنبقى سنوات وسنوات دون حل لهذه المعضلة .
على اي حال تقف المصارف اليوم في حيرة من امرها اولا لانها تطبق التعميم ١٦٦بتسديد للمودع ١٥٠ دولارا شهريا وفي الوقت نفسه تستمر في تطبيق الدولار المصرفي على ال١٥ الف ليرة بينما كل المشتريات والضرائب والرسوم باتت على السعر الواقعي اي ٨٩٥٠٠ ليرة وهذا ما يؤدي الى استمرار ظلم المودع خصوصا ان ميزانياتها وميزانية مصرف لبنان باتت ايضا على السعر الواقعي ايضا، وفي حال اصر مصرف لبنان على هذا السعر فإن المصارف ستقع وتخرج من السوق المصرفية وبالتالي فقد طالبت عند اجتماعها برئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ان تحدد حكومته سعر الدولار المصرفي الجديد.
إلا أن الحكومة ارتأت عكس ذلك، وفضلت التريث والانتظار ورمي الكرة في ملعب مصرف لبنان والمصارف التي تؤكد مصادرها أنها تنتظر القرار بتعديل سعر صرف الدولار المصرفي، ولا يهم من اي جهة كانت (الحكومة أو مصرف لبنان)، وحتى ذلك الوقت سيبقى سعر الـ 15 ألف ليرة هو المعتمد والكرة يتم تقاذفها بين الحكومة والمجلس النيابي ومصرف لبنان حول من يحدد سعر الدولار المصرفي مع العلم ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يتريث في اتخاذ القرار في شأن تحديد سعر الدولار المصرفي وأوعز الى المصارف الاستمرار في التعامل مع المودعين على سعر صرف 15 ألف ليرة الى حين استكمال التشاور مع المعنيين في الموضوع.
لكن السؤال الذي يتجنب المسؤولون الاجابة عنه وفقا لكبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس نسيب غبريل: ما هو مصير الودائع وبأي طريقة سيتم استردادها وبأي مهلة زمنية؟ فالمودع بانتظار الأجوبة عن هذه الأسئلة من السلطات التشريعية والتنفيذية والنقدية ومن القطاع المصرفي كي يعرف مصير ودائعه.