رحلة قيس سعيّد.. كيف أنهى حكم الإخوان في تونس؟

قيس سعيد في العشرينيات

رافق تولي قيس سعيّد الرئاسة في تونس العديد من الأقاويل عن كونه "مرشح ورجل تنظيم الإخوان"، نتيجة الدعم القوي الذي قدمته له حركة النهضة في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية بعد مساندة محتشمة لمرشحها عبد الفتاح مورو الذي أقصي من الدور الأول وترحيبها والجماعة بتوليه السلطة، وكذلك بعد تقديمه لبعض الأفكار والمواقف المحافظة خلال حملته الانتخابية.

وبعد حوالي عامين من قيادة البلاد وجه عدة رسائل لكافة الأطراف السياسية وتحذيرات لحزب النهضة والكتل البرلمانية الموالية له والتي اتهمها بمحاولة تفجير الدولة من الداخل ونهبها المال العام والعمل على تقسيم التونسيين وتفقيرهم، وأبدى انزعاجا من أداء رئيس الحكومة هشام المشيشي ومؤاخذات على عمل البرلمان وتخفي أعضائه بالحصانة لارتكاب جرائم والإفلات من العدالة، لكنّه لم يوضح الخطوات التي سيتخذها للجم هؤلاء.

وفي 25 من شهر يوليو الجاري، جاء الوقت الذي قرّر فيه الرئيس سعيّد إنهاء عقد من حكم الإخوان أعادوا فيه البلاد عقودا للوراء، بعدما اختار الأخذ بزمام الأمور بنفسه وخوض المعركة مع هذه الجماعة في العلن وبجرأة لا توصف مسنودا بدعم شعبي لا محدود، من خلال تجميد عمل البرلمان وتجريد أعضائه من الحصانة وإعفاء رئيس الحكومة، مستخدما في ذلك فقرات أعلى قانون في البلاد، وما يسمح به الفصل 80 من الدستور.

والرئيس سعيد، الذي نادرا ما يبتسم أو يتحدث باللهجة العامية، ويمثل لغالبية التونسيين رجل "الصرامة والنظافة والاستقامة" و"مثال التواضع"، ولد في 22 فبراير 1958 لعائلة من الطبقة الوسطى من أب موظف وأم ربة منزل، درس بالجامعة التونسية وتخرج منها ليدرّس فيها لاحقا مادة القانون الدستوري، قبل التقاعد في 2018.

بدأ سعيد حياته بمسار تعليمي ناجح في أبرز الجامعات التونسية، إذ حصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية سنة 1985 وعلى دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري سنة 1986 ودبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني بإيطاليا سنة 2001، ليصبح واحدا من أهم الأسماء البارزة في المجال القانوني والدستوري بتونس.

وكرّس سعيّد حياته في مهنة التدريس، حيث باشر تدريس القانون في جامعة الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بمحافظة سوسة وأشرف لفترة وجيزة على قسم القانون العام بين 1994 و1999، لينتقل لاحقا إلى جامعة العلوم القانونية والسياسية في تونس العاصمة حيث عمل هناك حتى عام 2018، وكان ضمن فريق الخبراء للأمانة العامة لجامعة الدول العربية الذي أعد ميثاق الجامعة العربية، كما كانت له مساهمة في إعداد الدستور التونسي الجديد.

وبعد ثورة 2011، كان هذا الرجل من الأسماء التي اكتشفها التونسيون بسبب ظهوره المتكرر على وسائل الإعلام لشرح وتحليل المسائل القانونية والدستورية المرتبطة بالقضايا السياسية، وقد تلمّسوا فيه شخصية مختلفة وطريفة في آن واحد، بسبب طريقة كلامه وأسلوب خطابه الذي يعتمد أساساً على اللغة العربية الفصيحة والتحدث بجدية ودون تشنج ودون توقف، حتى أصبح يلقب بـ"الروبوكوب" أو الرجل الآلي".

إلا أن نجمه صعد في السياسة التونسية، منذ إعلانه اعتزام الترشح للانتخابات الرئاسية بصفته مرشحا مستقلا، فظهرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي باسمه تدعو إلى الالتفاف حوله ودعمه للفوز في هذا الاستحقاق الانتخابي، يقودها خاصة طلبة جامعيون، وتزايد الاهتمام به وبترشحه ونجح في الاستئثار بنصيب واسع من المساندة، حتى برز اسمه في استطلاعات الرأي وتصدر نوايا تصويت التونسيين.

ولكن لا أحد حقّا كان يتوقع فوزه برئاسة تونس، فهو الرجل البسيط الهادئ الذي يقطن في حيّ شعبي و لا ينتمي إلى حزب أو جهة سياسية تدعمه ولا يملك رصيدا سياسيا قويا يجعله قادرا على مواجهة أسماء بارزة في المشهد السياسي ومرشحين مدعومين سياسيا وماديا وإعلاميا.

وخلال الحملة الانتخابية التي أدارها من مكتب متواضع في بناية قديمة وسط العاصمة، لم يظهر في تجمّعات شعبية كبيرة، ولم تعلق له لافتات كبرى تحمل صورته في الشوارع، واكتفى فقط بالتجول على سيارته الخاصة في عدد من المدن للقاء المواطنين في المقاهي والأسواق الشعبية، بعد أن رفض التمويل العمومي للمرشحين الرئاسيين، باعتبار أنه "مال عام وهو حق للشعب التونسي فقط".

ونجح بهذه الطريقة المتواضعة في لم شمل العديد من الجماهير المساندة له، خاصة من فئة الشباب والطلبة، كما استطاع القفز فوق جميع المرشحين البارزين والأسماء الثقيلة المدعومة من الأحزاب ووسائل الإعلام ورجال المال والأعمال، وكتب نهاية شخصيات سياسية بارزة كانت إلى وقت قريب على رأس السلطة، بعد حصوله على ثقة 72 بالمائة من الناخبين التونسيين.

قام البرنامج السياسي الذي قدمه سعيد خلال حملته الانتخابية، على إعطاء دور محوري للجهات وتوزيع السلطة على السلطات المحلية عبر تعديل الدستور، وهو يعتقد أن الوضع الحالي يقتضي إعادة بناء سياسي وإداري جديد عبر تأسيس مجالس محلية، وجعلها تشارك في السلطة، و كذلك يرى سعيد أن الشعب نفسه هو من يجب أن يضع الخطط والاستراتيجيات الفكرية والاقتصادية التي تحرك الوطن بعد الثورة، وليس العكس.

ولسعيّد بنتان وولد وهو متزوج من القاضية إشراف شبيل، زميلته في الجامعة، التي ظهرت برفقته خلال الأيام الأخيرة من حملته الانتخابية، وأصبحت مؤخرا ترافقه في زياراته الخارجية.

العربية

يقرأون الآن