أثار سجن برلماني عراقي جدلا واسعا بعد صدور حكم محكمة على نائب يتمتع بالحصانة، دون العودة لمجلس النواب في قضية يعود أصلها لمزاعم فساد.
وجاء الجدل من شقين: الأول قانوني بشأن محاكمة نائب دون العودة لمجلس النواب للموافقة على رفع حصانته، والثاني سياسي يتمثل في حكم بسجن النائب بعد إثارته لمزاعم فساد تتعلق بوزارة التجارة العراقية.
وينص الدستور العراقي في المادة 63 على أن "يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من آراء في أثناء دورة الانعقاد ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن ذلك".
وفي خطاب وجه لرئيس مجلس القضاء الأعلى، استند رئيس مجلس النواب بالإنابة، محسن المندلاوي، الى الدستور العراقي الذي ينص على أنه "لا يجوز إلقاء القبض على العضو مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهما بجناية وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه، أو إذا ضبط متلبسا بالجرم المشهود بجناية".
وقال المندلاوي في بيان إن قرار المحكمة بحق النائب، هادي السلامي، "خاضع للتمييز"، ووجه الدائرة القانونية بالبرلمان بمتابعة الإجراءات القانونية اللازمة.
وإزاء ذلك الجدل، أصدر مجلس القضاء الأعلى، توضيحا يتعلق بقضية السلامي، الذي صدر بحقه حكم بالسجن 6 أشهر والغرامة مليون دينار عراقي (حوالي 760 دولارا) من قبل محكمة جنح الكرخ المختصة بقضايا النزاهة.
وقال بيان مجلس القضاء الأعلى إن "الحصانة التي يتمتع بها عضو مجلس النواب، تقتصر في حال اتهامه بجريمة من نوع الجناية".
ما هو أصل القضية؟
وتعود تفاصيل القصة إلى أيلول/ سبتمبر من العام الماضي بعد أن رفعت وزارة التجارة وديوان الرقابة المالية في العراق معا قضية على النائب السلامي في أعقاب مطالباته بإعفاء ومحاسبة وزير التجارة، أثير الغريري، بسبب مزاعم فساد.
وآنذاك، قدم النائب السلامي طلبا لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لإقالة وزير التجارة من منصبه بسبب "ارتكابه العديد من الجرائم والمخالفات الوظيفية التي أضرت بالمال العام عند تسلمه منصب مدير عام الشركة العامة لتصنيع الحبوب"، وفقا لكتاب صادر عن مكتبه أوردته وسائل إعلام محلية.
واستند السلامي في ادعاءاته على وثيقة قال إنها صادرة عن ديوان الرقابة المالية، تفيد بوقوع مخالفات على وزير التجارة.
وفي هذا الإطار، ذكر موقع "السومرية" في تقرير أن وزارة التجارة خاطبت ديوان الرقابة المالية بعد مطالبات النائب السلامي للتأكد من حقيقة المستندات التي قدمها.
وطبقا للمصدر ذاته الذي نشر مخاطبات الجهتين، فإن ديوان الرقابة المالية نفى لوزارة التجارة صحة المستند الذي أرفقه السلامي، وقال إنه "مزور".
وأصدرت وزارة التجارة بيانا توضيحا مفاده بأن الحكم على النائب السلامي صدر "عن اصطناعه واستخدامه محرر نسب صدوره إلى ديوان الرقابة المالية الاتحادي، الذي تبين فيما بعد أنه مزور بهدف التشهير والإساءة إلى سمعة الوزارة".
في حكمها، أشارت محكمة جنح الكرخ المختصة بقضايا النزاهة إلى أن القرار "قابل للتمييز"، وهو ما يثير تساؤلات بشأن مصير عضويته بمجلس النواب.
وقال الخبير القانوني، علي التميمي، إن مصير عضوية السلامي بمجلس النواب تعود لنتيجة الطعن الذي يتوقع أن يقدمه النائب.
وأضاف التميمي في حديث لموقع "شفق نيوز" أن "النائب الحالي هادي السلامي يحق له الطعن بالقرار الذي صدر بحقه بالحبس لمدة 6 أشهر خلال مدة 30 يوما، وإذا اكتسب القرار الدرجة القطعية فهنا تتم عملية إسقاط العضوية البرلمانية عنه، ويتم استبداله ويحل المرشح الأعلى أصواتا ضمن دائرته الانتخابية محله".
وبعيدا عن الجدل القانوني، فإن قرار المحكمة بحبس النائب السلامي أثار أيضا عاصفة من ردود الأفعال السياسية المنتقدة للحكم.
وطالب برلمانيون بجلسة طارئة واستجواب وزير التجارة إزاء هذه القضية، فيما طالب أعضاء آخرون بضرورة الإفراج عن زميلهم الذي نفذ بحقه أمر الحبس.
وقالت رئيس كتلة "الجيل الجديد" في مجلس النواب، سروه عبد الواحد، عبر منصة "إكس"، إن "البرلمان مطالب باستجواب وزير التجارة حول ملفات عديدة متعلقة بالبطاقة التموينية" وذلك على خلفية "إصدار أمر الحبس بحق النائب هادي السلامي".
تعتبر الحكومة التي يرأسها السوداني، محاربة الفساد وحماية المال العام من أولوياتها وتبذل جهودا مضاعفة بهذا الاتجاه، وتكشف بانتظام في الإعلام تقصير الحكومات التي سبقتها.