نسمع كثيراً عن أفرادٍ إيجابيّين يُكثرون من الضّحك والمرح ونتفاجأ إذا سمعنا خبر وفاتهم انتحاراً، فالاكتئاب في مفهومنا يظهر جليًّا على الآخر من خلال عوارض يسهل فهمها. هذا الفخّ يقع به معظمنا، خصوصاً في السّنوات الأخيرة مع اجتياح ظاهرة خطرة مجتمعنا وتغلغلها فيه.
"الاكتئاب المُبتسم" أو "الاكتئاب الضّاحك"، ظاهرةٌ ليست جديدة إلا أنّها في تزايدٍ مستمرّ وتجعل المُصاب يشعر كأنّه يقفز في حقل ألغام. ولأنّ عدداً لا بأس به من اللبنانيين يعيشون في معظم الأوقات حالة إنكار للواقع، ترى المُعالجة النفسيّة والأستاذة الجامعيّة د. ليا صوايا واصاف، أنّ "ذلك يُمكن أن يكون مُترافقاً مع هذا النّوع من الاكتئاب"، خصوصاً مع تراجع الصحّة النفسيّة والعقليّة.
وتقول في حديثٍ لموقع mtv: "يصعب تشخيص الاكتئاب المُبتسم لأنّ عوارض الاكتئاب العادي لا تظهر جليّة، فيكون الفرد في حالة إنكار وغير واعٍ لِما يُصيبه". وهنا تكمن الخطورة، وفق د. ليا صوايا واصاف، "إذ يُعاني المُصابون بهذا الاكتئاب الخفيّ من عوارض الاكتئاب، ولكنهم يصرّون على إخفائه والتظاهر بالحياة النّاجحة والسعيدة، ممّا يجعلهم يعتصرون الآلام لوحدهم، ويُعرّضهم أكثر للأفكار الانتحارية وإيذاء النفس من دون أن يشعر بهم أحد".
وتُشدّد على خطورة هذه الحالة لأنّ الفرد يعيش "حالة الحزن بينه وبين نفسه، ولكن ظاهريًّا واجتماعيًّا يضع قناعاً لإظهار صورة طبيعيّة وأنه سعيد، إلا أنّه يضع مجهوداً كبيراً للقيام بمهامه اليوميّة والاعتياديّة".
ليس المقرّبين فحسب، بل الفرد نفسه قد يجهل إصابته بالاكتئاب المُبتسم نتيجة حالة إنكار الواقع التي يعيشها. ومع تراكم الضّغوط، تظهر عوارض نفس جسديّة مثل الآلام في مختلف مناطق الجسم من دون أيّ سبب بيولوجيّ عضويّ بل نفسيّ، وفق ما تقول المُعالجة النفسيّة. كما يتفاجأ في مرحلةٍ متقدّمة بتغيّر أفكاره من دون أن يفهمها وعادةً ما تميل هذه الأفكار إلى السلبيّة والتّفكير بإيذاء النّفس.
وعمّا يزيد من خطر الإصابة بـ"الاكتئاب المُبتسم"، تُشير د. ليا صوايا واصاف إلى أنّ "عوامل الشخصيّة والبيئة التي يعيش فيها الشخص، وبعض الثقافات والمجتمعات والعائلات، كلّ ذلك يؤدّي دوراً أساسيًّا في امتناع أو عدم قدرة الفرد على التّعبير عن اكتئابه أو عيش حزنه بطريقةٍ صحيّة"، لافتةً إلى أنّ "هناك ظروفاً قد تتحكّم بالفرد تجعله عاجزاً عن التّعبير عن مشاعره عموماً، لأسبابٍ مختلفة ومتنوّعة، والبعض لا خيار لديه سوى استكمال حياته فيُحاول أن يكون أقوى من حالته النفسيّة السيّئة".
ومن العلامات الدالّة على هذا الاكتئاب "الخمول والتعب، عدم التركيز والنسيان، الأرق وعدم القدرة على النوم بشكل منتظم أو كثرة النّوم، تغيّر الوزن واضطراب الشهية، العجز وعدم القدرة على القيام بأبسط الأمور، قلّة الاهتمام بما حوله واللامبالاة، وتدنّي احترام الذات بشكل كبير"، وكلّ ما يعيشه ويُحاول إخفاءه قد يظهر على شكل نوبات غضب مُفاجئة وقلق خارج عن السيطرة وسلوكيات خطرة في بعض الأحيان.
ماذا عن العلاج؟ تُشدّد واصاف، على أنّه "كلّما تأخّر تشخيص الاكتئاب عموماً، طال العلاج وتضاعف الخطر على الفرد المُصاب"، مع الإشارة هنا إلى صعوبة تشخيص الإصابة بـ"الاكتئاب المُبتسم". وتُشير إلى "ضرورة تلقّي المُساعدة النفسيّة المُتخصّصة، وقد يحتاج البعض في حالات معيّنة إلى أدوية يصفها الطّبيب النّفسي".