عندما يقرّر البعض أن يُبيح لنفسه مهمة تخوين من لا يتفقون مع رأيه "العبقري"، وعندما تزول حرمة الوطن ، فأية حرمات تتبقى؟ لذلك يتحوّل كل شيء إلى عبث وعجز.. وأتمنى ألّا يسخر مني البعض ويقول مالك صدّعت رؤوسنا بالمصطلحات، بينما نحن نعيش عبثاً من نوع لم يخطر على بال حتى مؤلف الاطروحة الفنطازية الراحل علي الشوك. عندما يكتب نائب تسلق على اكتاف شباب تشرين ، على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي يطالب إيران بقصف بغداد واربيل، وعندما يخرج علينا محلل سياسي يتعرق فرحا لان المسيرات قصفت مواقع عراقية، وعندما يصر البعض على تقزيم العراق الذي يعيشون من نهب امواله.. كيف سينظر الناس إلى مفهوم الوطنية؟.
وعندما تقرأ هذا الخبر الذي يقول ان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، اعرب عن أسفه لأمير دولة قطر، عما تسبب به هجوم طهران على قاعدة العديد، مؤكدا أن دولة قطر ستظل دولة جوار شقيقة، ولا تجد كلمة اعتذار واحدة عن الصواريخ التي ظلت تطلقها طهران على بلاد الرافدين، فعليك عزيزي القارئ ان تلتفت حولك لتعرف ان سبب الخذلان والمهانة يتحملها ساسة هذه البلاد ومعهم جيوش الكترونية تطالب بالقصاص من العراقيين.. فعليك ان تعرف عزيزي القارئ اننا نعيش الفوضى بأبهى صورها.
إيران تسعى لدخول نادي الأمم "النووية"، وستجلس تتحاور مع العم ترامب، تركيا أردوغان تنظر إلى جيران إسطنبول باعتبارهم رعايا السلطان سليمان القانوني ويجب قصفهم بين الحين والاخر، بلاد ما بين النهرين يريد لها البعض العودة الى عصور ما قبل القراءة والتاريخ، هذه هي خريطة الأحداث، لم تعد بلاد حمورابي أكثر من موضوع يثير الشفقة والحسرة كلما تحدث المستر ترامب عن مشاكل الشرق الأوسط.
اما المواطن المغلوب على امره فانه يصحو كل يوم على تصريح جديد يقول له "لا تبتئس مازال الطريق في أوله"، و"خطوة الألف ميل تبدأ بواحدة"!.
يقول مايلز كوبلاند صاحب الكتاب الشهير لعبة الامم "ليس بين القواعد السياسية الصحيحة الالتفات الى الماضي بل النظر دوما الى المستقبل لتفقد طريقك"، لكننا نعود الى الماضي، لان اصحاب الحاضر لا يريدون ان يستخلصوا منه الدروس والعبر.. بعد ايام طهران ستقرر الجلوس مبتسمة امام الشيطان الاكبر، تفاوضه، والسلطان اردوغان يقرر ان يتمدد في الشرق الاوسط، فيما بلاد ما بين النهرين يراد لها ان تختار اي صور يمكن ان تملأ بها ساحات المدن، الزعيم الايراني، ام السلطان التركي؟ هل تنضم الى دول المستقبل ام نتطلع الى نموذج اليمن.. نحن ياسادة منذ عقود نحلم بان نصبح مثل الالمان، لكننا في وسط الطريق لم نعرف الفرق بين دولة القانون ودولة العدالة، فاخترنا الاسهل، الهتاف لدول الجوار.