الكويت.. والانتخابات الأميركية

من باب الصدف أن تشهد كل من الكويت والولايات المتحدة موجات مختلفة من فنون البحث عن الفوز في الانتخابات الوطنية التي تعيشها الكويت هذه الأيام، في حين تتكاثف المناقشات في الولايات المتحدة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري؛ للفوز في انتخابات الرئاسة التي ستتم في أول أسبوع من تشرين الثاني/ نوفمبر، بعد سبعة أشهر، وما يهمنا في الكويت تأكيد استمرار الشراكة الاستراتيجية بيننا وبين الولايات المتحدة؛ لأن محتوى الشراكة يؤمن معظم جوانب الحياة، من أمن ودفاع وتجارة وتعليم واستثمار وسياحة وحوارات متنوعة، تديرها لجنة مشتركة، تضم كبار المتخصصين والمسؤولين في البلدين، وتلتقي بتواصل تعبيراً عن حرصٍ على تنشيط كل المسارات والالتزام بحصيلتها.

وإذا كانت جميع دول العالم تتابع منحنيات الترشيحات في الولايات المتحدة، فإننا في الكويت أكثر المتابعين رصداً وتحليلاً واندفاعاً للتعرف على هوية هذه الأصوات، التي تبث معارضتها للسياسة الخارجية الأميركية، وتنتقد بقسوة التزاماتها وتعاونها مع متخلف الأقاليم، ومع معظم دول العالم في ترابطية أمنية وتجارية وتعاونية تكنولوجية.

وإذا كنا في حالة من الاطمئنان مع توجهات الحزب الديمقراطي، وعلى معرفة بمواقف المرشح الحالي، وهو الرئيس بايدن، فإننا نستذكر اجتهادات مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الماضية، وهو السيد ترامب، الذي كان رئيساً للجمهورية، وخسر جولته الثانية لمصلحة بايدن في الانتخابات الماضية.

كان الرئيس السابق ترامب لا يتردد في التعبير عن عدم ارتياحه لحجم المسؤوليات الأميركية الخارجية، سواء حول علاقاتها مع أوروبا وحلف الناتو، وكذلك انتقاده للتحالفات مع دول شرقي آسيا، ولا سيما اليابان وكوريا، الأمر الذي دفعه لعقد لقاءات عدة مع قيادات كوريا الشمالية متصوراً إمكانية التأثير في خفض حجم ترسانتها النووية، ومن الواضح بأن منظور العلاقات الخليجية – الأميركية الذي نعيش فيه لا يبعث له السرور، ففيها تعهدات أميركية استراتيجية، بعضها واسع المسارات وبعضها محصور في الشأن الدفاعي والأمني، ويرى المرشح ترامب في شكل هذا الترابط شيئاً لا يريحه، ويعتبره ثقلاً إضافياً من الأفضل الانسحاب عنه، وترك دول الخليج تسعى لتعويض الغياب الأميركي.

هذه نغمة ليست مريحة في وقعها علينا، ومزعجة لنا في نواياها، وأعين لمعاني الانكشاف الأمني، ولنا خبرة مؤذية عشنا فيها، وقدمت لنا ضرورات تواجد الردع المنتفح الأبواب، فإذا لم تتوافر العناصر الوطنية لاكتمال شروط الردع، فالباب واسع للتفكير في البدائل، فواقعة الغزو الآثم لا تتقبل غياب الردع الكابح للتحرشات، والمالك لآليات الأذى والدمار.

تطورت العلاقات الكويتية – الأميركية منذ تبني واشنطن تحرير الكويت، بتحالف عالمي ضمَّ 34 دولة استضافته المملكة العربية السعودية، وأدارته بعزم وحزم، ومن الغزو تأكد اليقين بوجوب تواجد القوة الرادعة الذي تؤمن استقلال البلد وتصون سيادته وتؤمن الاطمئنان لأهله، ويؤكد تاريخ الكويت بأن هذا الاستقرار والاطمئنان هما منبع الخصوصية الكويتية، فشهدت سنوات الحماية البريطانية تعالي التواجد الكويتي البحري المتواصل مع الهند وشرقي أفريقيا، وصاغ التجار ورجال البحر الكويتيون أجمل المراكب البحرية وأكبرها، الأمر الذي أمن للكويت دوام العيش والاستقرار أيام الحربين العالميتين الأولى والثانية.

فالكويت بعد التحرير غير الكويت التي تعايشنا معها قبل الغزو، فالتبدلات غيرت خريطة الدبلوماسية الكويتية، ولأول مرة منذ الاستقلال يكون لدينا شركاء استراتيجيون مرتبطون بمنظومة الحياة الكويتية، فليسوا حلفاء في الأمن فقط، بل في كل الممرات خاصة في الاستثمار والتجارة والثقافة والدبلوماسية وفي الاستفادة التكنولوجية.

ففي العلاقات الثنائية مع بريطانيا انطلقت مسارات التعاون في الاستثمارات وفي الحوارات المشتركة التي تضم عدداً من الوزارات ذات الصلة، ويسرى هذا التنظيم كآلية مناسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة، فلا يزال الحوار مع الولايات المتحدة بحاجة إلى تكثيف واتساع ليضم، ليس الأمن والاقتصاد والتعليم، بل يتجاوز ذلك إلى تواصل في التكنولوجيا والسياحة والثقافة، وتبادل زيارات من منظمات النفع العام الكويتية لتحمل إلى الشعب الأميركي حقائق بما فيها خزينة التقدير، وتعميق الدور الأميركي في تحرير الكويت والعزم الكويتي على تعزيز الترابط في جميع المجالات.

في الماضي القديم لم تكن الانتخابات الأميركية تثير اهتماماتنا، فالمسار الأميركي نحو المنطقة معروف، لم يتبدل ترابطها مع اسرائيل، كما حافظت على علاقاتها الإستراتيجية مع الأردن ومصر ودول الخليج، ولم تكن حصيلة الانتخابات تحمل التباين الكبير مع المرشحين، وتبدل الموقف مع مجيء الرئيس ترامب مرشحاً ثم رئيساً حاملاً تساؤلات عن تضحيات أميركية في مختلف مناطق العالم بما فيها الخليج، الأمر الذي لا يتفق مع واقع العلاقات بين واشنطن والخليج، ولا يأخذ في حساباته المصالح الأميركية الضخمة والمتنوعة التاريخية، فلا يرى فيها ما يبرر ضخامة التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة للحفاظ على أمن الخليج، وإضافة إلى هذا التصور، فلا يرى في تواجد الطاقة في الخليج ما يغري أميركا للبقاء؛ لأن الطاقة سلعة تتواجد في أسواق العالم يمكن تنظيم الحصول عليها، وعلينا ونحن نتابع تطوير حالة الانتخابات أن نتذكر بأننا لسنا الوحيدين الذين يتابعون تلون البرامج الانتخابية التي يطرحها الحزبان وتأثيرها في مختلف دول العالم، الصديقة والحليفة والمخاصمة والحيادية، فأميركا تتواجد في جميع بقاع العالم من شرقي آسيا إلى الشرق الأوسط، وأوروبا والمحيطات، فلا عضو في الأمم المتحدة لا يتأثر بما يجري في واشنطن، ولكن الاختلاف بينها يتمثل في تواجدها المؤثر والفعال في واشنطن مع حجم القنوات التي تبنيها كل دولة في واشنطن وتتنوع في أدوارها، منها المجال السياسي والتجاري والثقافي، وتكثيف الزيارات ومنها المنحصر في ترتيبات أمنية أو ترابط جماعي مثل حالة أوروبا واليابان، ومنها التواجد الذي يتلصص على التطورات في الأسلحة النووية بحثاً عن أسرارها، ونحن في الكويت لم نقم بالتجاوب مع شروط التحالف في التواجد المتنوع والمتواصل في معظم جوانب السياسة ومستلزمات الدفاع والتحاور السياسي، وتعظيم العلاقات بين التجمعات الشعبية، مكتفين بما تضخه السياسة وشؤون الدفاع مع الحاجة الملحة في التواصل الثقافي، وفي شؤون التعليم بين مؤسسات ومعاهد التعليم وجامعاتها المشهورة.

أطوي هذا الموضوع بالتذكير بدور التواصل مع المؤسسات التشريعية الأميركية، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وهي من الضرورات لمن يريد بناء تواصل جماعي مؤثر مع المؤسسات الحاكمة في واشنطن، ففي السنوات الأولى من عمر مجلس التعاون كنت أتواجد في واشنطن سنوياً، وكان مجلس العلاقات العربية – الأميركية يسهم في ترتيب اللقاءات، ويشارك في الحضور بخبرات تولدت من تواجد في عواصم عربية، وأبرزها الرياض التي تنشط في مجال التفاهم المتبادل، مما عزز تقدير واشنطن للدور البناء لمجلس التعاون في العالم العربي وفي جميع بقاع العالم.

نظل متابعين لتطور المسار الانتخابي الأميركي حتى نهاية الأسبوع الأول من نوفمبر القادم.. ونأمل خيراً.

القبس

يقرأون الآن