تتفاجأ عندما تجلس مع طرفي الصراع الماضي (اليمين واليسار) لما يحمله في صدورهم من أحقاد دفينة مخيفة لتوجهاتهم السابقة بالرغم من فشلهم الاثنين معا لما فعله بالحب الاهلية اللبناني التي تصادف ذكراها في 13 نيسان /أبريل من هذا العام، طبعًا لا يزال المجتمع اللبناني يعاني ترسبات الحرب الاهلية التي تزال في مخيلة كل من بقايا مكونات جيل الحرب، وبحسب انتماءاتهم السابقة الراسخة في ذهنه والمصر على صوبيتها بالرغم من انتهاء الحرب الأهلية والتي انتهت بفشل طرفي الحرب الذان لا يعترفان بهزيمتهما بسبب عبثية الحرب وعدم قدرتها على إنتاج توجه مغاير بمفاهيم ومعايير الحرب الجميع يعتز ويفتخر بما صنعته يادها ويهدد برفع السلاح مجددا لا يريد الاقتناع بعدم جدوى تلك الحرب وفشلها نسبة الدمار والقتل والخراب التي تركته تلك الحرب الاهلية التي حصلت داخل الاهل والبيت الواحد حيث بات شعار اغلب الناس وخاصة الذين تضرروا منها دفعوا أثمانا غالية بالقول تنذكر وما تنعاد 13نيسان ذكرى اليمة جدا وشعور بالحزن والعار بم تم اقترافها بحق لبنان وأهله …فهذه المناسبة ليس رفضا للحرب وتجربتها وانما للذين يرفضون الاخر ويتعاملون على اساس ان الايام هي كفيلة بمعاقبة الآخر .
طبعا ان رفض اليمين لما يقل انه من بقايا اليسار ورفض من يدعي من بقايا اليسار لليمن نرى مفاعيله عمليا في مؤسسات معينة عبر الرفض وعدم التقبل للاخر وكان الطرفان في افضل احوالهم الفكرية والايديولوجية التي تسمح بالصراع وتسجيل نقاط على بعد لكن الطرفان لا يريد ان الاقرار بالهزيمة لعدم صوبية طرحهم بسبب رفع السلاح الذي ادى تحلل اليسار واليمين لمصلحة التطرف المذهبي والطائفي.
وهذا واضح في المؤسسات الإعلامية التي يتولى إدارتها ويدير شؤونها طرف من طرفي صراع الماضي بالرغم من ان الجميع يرى حتى الاختلاف في الرأي لم يتلاشى بل بات ظاهرًا ونرى بوضوح في عملية المعاقبة التي تنتهي بالنهاية بالفصل والأبعاد ، فاليمين لا يقبل أي يساري سابق واليساري لا يقبل اليميني ويتم نعته بأبشع النعوت لحدود ابعاده وكأنه الانتقام في خندق الجبهة أيام الحرب ...
ونرى هذا في المؤسسات التعليمية الخاصة والرسمية التي تعمق في داخلها مأزق التعايش الوطني حيث بات يعتبر مرفوضُا لان التعايش هو مرتبط بنظرية فرض علينا اسمها العيش المشترك وليس التوافق على مفهوم المواطنة التي هي أساس التعامل مع أي مواطن .
اذن المصطلحات والمفاهيم التي تستخدم لدى البعض يمكن تفسيرها بانها غطاء لمضمون اعمق بكثير ما تفرضه العلاقة الإنسانية والاجتماعية في بلد يقبل التنوع بكل توجهاته ومعتقداته وانتماءاته الفكرية ...
لكن لابد من القول بان الحرب الأهلية لم تخرج بمصالحة اهلية تمحي اثار الويلات والماسات بل حصل اتفاق قد يتفجر في لحظة بحسب تعيير ميزان القوى والارتباطات والمصالح الخارجية ...
هذا الأحزاب التي خاضت غمار الحرب لا تزال تحن لماضيها المؤلم دون الذهاب لمراجعة نقدية فعلية لتلك الفترة وكأنها تعيش على أمجاد الماضي الأليم لشد عصب من تبقى من مناصرين فاشلين واعضاء هرمين للحفاظ على وجود ما تبقى من هذه الاحزاب الهارمة بظل تحلل الأفكار السابقة ...
لكن عملية تقبل الآخر في المجتمع اللبناني لا تزال غائبة بظل افكار وعقليات من يدعي يميني ويساري لانها اصلا قائمة على الانتقام والثأر وهذا يعني بأن هذه التوجهات يغزي ويساند الأفكار المذهبية الصاعدة نحو أعلى مستويات التطرف لدى الأجيال الصاعدة وايضًا نرى العديد من المحللين والكتاب السياسيين يعبرون في خطاباتهم ونقاشاتهم عن ذلك بفخر . بعكس الذين تداووا فعليًا من جراح الحرب في اخراج اللوثة التي عاشها المكون اللبناني ( القومية والمذهبية واليسارية)، وهذا العلاج صعب جدا لانه اختياري لذلك لا يمكن معالجته عن طريق الغير. بل يجب الاعتماد على النفس والارادة والضمير وحرية التعبير والعودة الى الدستور والقيم الانسانية واحترام القيم والمعتقدات المذهبية والايديولوجية للانتهاء من لوثة اليمين واليسار التي تعيش حالة تعفن.