وسط استعراض عسكري لعشرات السيارات المسلحة في مدينة الزنتان غرب ليبيا، أعلنت قوى سياسية وعسكرية دعمها سيف الإسلام القذافي لقيادة المرحلة المقبلة للبلاد، وهو يربك المشهد الليبي ويطرح أسئلة كثيرة عن انعكاسات هذا التحرك على مستقبل البلاد.
وسط مشهد سياسي مرتبك، خلطت أوراقه تماماً استقالة المبعوث الأممي التاسع إلى ليبيا عبدالله باتيلي، فاجأت قوة مسلحة من مدينة الزنتان في الغرب الليبي الجميع بإعلان دعمها نجل الرئيس الليبي السابق سيف الإسلام القذافي لقيادة المرحلة الحالية، وحذرت من أي محاولة لإقصائه من الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي لم يتم الاتفاق بعد على موعدها ولا القوانين المنظمة لها.
وهذه هي المرة الأولى منذ سقوط نظام والده الراحل معمر القذافي التي تعلن فيها قوة عسكرية ليبية دعمها سيف الإسلام، والغريب أنها جاءت من قلب مدينة كان لها دور رئيس في الثورة، وكانت كتيبة مسلحة منها هي من قامت بالقبض عليه في 2011 وسجن فيها لسنوات قبل إطلاق سراحه في 2017.
هذا الدعم العسكري والاجتماعي والسياسي الذي جاء في توقيت حرج للقذافي الابن يدور فيه الحديث عن تحرك داخلي وخارجي لاستبعاده من المشهد بصورة نهائية، أثار جملة من الأسئلة عن تأثيره في موقفه السياسي في هذه المرحلة المعقدة، وهل يمكن أن يضيفه لقائمة القوى العسكرية المؤثرة الحاكمة على الأرض، القادرة على فرض إرادتها بقوة السلاح، كما تفعل أطراف كثيرة أخرى.
بيان مثير للجدل ومفاجئ
البيان المثير للجدل الصادر في الزنتان، أصدرته قوة عسكرية مشكلة من عشرات السيارات المسلحة كما ظهر في الفيديو الذي تلي فيه، قالت إنها تمثل القوى الاجتماعية والعسكرية والأمنية بمدينة الزنتان الواقعة على بعد نحو 80 كيلومتراً جنوب العاصمة طرابلس.
المشاركون في البيان حذروا مما وصفوه بـ"العواقب الوخيمة لمسلسل التضليل والتلاعب بحقوق وإرادة الشعب الليبي في تجديد شرعية مؤسساته وسلطاته من خلال إنجاز الانتخابات الرئاسية والنيابية المتزامنة، بهدف خدمة مصالح الطغمة الديكتاتورية المتمسكة بمواقع السلطة والنفوذ".
وأعلنت القوى الاجتماعية والعسكرية والأمنية المشاركة في البيان دعمها ترشح سيف الإسلام القذافي للانتخابات الرئاسية، وقالت إنه "يحظى بتأييد ودعم شعبي كبير ولديه مؤهلات قيادية والتزام وطني صادق وخبرة سياسية واسعة، ولن نسمح لكل المحاولات المشبوهة من بعض الأطراف المحلية والدولية أن تحول بينه وبين حقه كمواطن ليبي في الترشح للانتخابات وتقدم الصفوف لخدمة بلاده".
تأييد واسع النطاق
عقب صدور البيان في مدينة الزنتان سارعت إلى تأييده كيانات قبلية واجتماعية كبيرة عرف معظمها بتأييده النظام السابق برئاسة الرئيس الراحل معمر القذافي، مثل مكون الطوارق وغالب مكونات مدينة غات بالجنوب الغربي، وقبائل ورشفانة التي يقطن غالب المنتمين إليها على مشارف مدينة طرابلس، ومكونات غيرها أقل حجماً وتأثيراً بالجنوب، بينما لم تعلن أي قوى عسكرية أخرى دعمها موقف القوة المسلحة في الزنتان.
من جانبها، عبرت بعض الشخصيات العسكرية البارزة عن موقف منفرد داعم لموقف قوى الزنتان، مما يؤشر إلى أن احتمال انضمام تشكيلات عسكرية جديدة لمعسكر القذافي يبقى قائماً، وهو أمر قد يغير كل الموازين على كل المستويات العسكرية والسياسية.
من بين القادة العسكريين المعروفين الذين تعاطفوا مع البيان الصادر في الزنتان آمر قوة الإسناد بعملية "بركان الغضب" ناصر عمار، وهو تكتل عسكري كبير ومؤثر في غرب ليبيا.
وقال عمار "إذا كان باستطاعة سيف الإسلام القذافي توحيد ليبيا واستعادة سيادتها فيجب أن تلتف حوله كل المدن الليبية وتنضم له كل أطياف الشعب وكل القبائل"، وأضاف "لن يتوقف الأمر عند بيان الزنتان فقط وسوف تخرج عديد من البيانات في الأيام المقبلة داعمة للرجل وحقه في الترشح للانتخابات الرئاسية".
توتر بالجنوب
هذه التحركات المفاجئة للمؤيدين لسيف الإسلام القذافي تسببت في توتر أمني بمناطق عدة خصوصاً في الجنوب، إذ قبض على بعض الشخصيات الموالية للنظام السابق، وأثار من بينها القبض على علي الحسناوي رئيس فريق المصالحة لسيف الإسلام احتجاجات كبيرة من "تيار الخضر"، كما يسمى المؤيدون للنظام السابق في ليبيا.
الفريق السياسي لسيف الإسلام معمر القذافي، الذي يصدر كل البيانات الخاصة به، أشاد كما كان متوقعاً بالبيان الصادر عن قوى الزنتان العسكرية والاجتماعية، مؤكداً "تأييده مضامينه الوطنية الداعية إلى توحيد جهود الليبيين من أجل إنقاذ البلاد".
وأيد البيان "دعوة قوى الزنتان إلى الإسراع في إنجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة، من دون إقصاء لأي طرف، ودعمهم ترشح سيف الإسلام إلى الانتخابات الرئاسية"، داعياً إلى "أخذ هذه المبادرة مسارها العملي في أقرب الآجال".
في المقابل، عبر الفريق السياسي لنجل القذافي عن "رفضه وإدانته أساليب القمع والترهيب والاعتقالات التي تمارسها بعض الأجهزة الأمنية في مناطق الجنوب في حق أبناء المنطقة، والتي كان آخرها الاحتجاز التعسفي للحاج علي بوسبيحة الحسناوي، رئيس فريق المصالحة لسيف الإسلام معمر القذافي".
وحمل الفريق السياسي "خاطفيه المسؤولية التامة عن سلامته الشخصية والتداعيات الخطرة المحتملة لهذا العمل غير المسؤول"، مطالبين بـ"سرعة إطلاق سراحه، وتحرك المنخرطين في إنجاز استحقاق المصالحة الوطنية التحرك العاجل مع المجلس الرئاسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية وبعثة الأمم المتحدة لإطلاق سراحه".
قلب الموازين
تجمع قوى عسكرية حول سيف الإسلام القذافي في هذا التوقيت الذي بدأ من مدينة الزنتان وقد لا يقف عندها، رأى فيه محللون كثر متغيراً نوعياً من الممكن أن يقلب موازين كثيرة في المشهد، خصوصاً أنه كان يفتقد لهذا الدعم لتعزيز موقفه في مشهد مثل المشهد الليبي للسلاح كلمة مسموعة فيه بالسنوات الأخيرة، مثلما حدث حين عطلت قوى مسلحة في طرابلس وسبها الانتخابات الرئاسية لمنع مشاركته فيها 2021.
بينما يرى آخرون أن ما يفعله المؤيدون للقذافي لن يؤدي إلا إلى زيادة توتر الساحة السياسية وانقسام البلاد، ويبقى قسم يعتقد أن تحركات "الخضر" الحالية ورقة تستعملها قوى خارجية لإرسال رسائل لأطراف معينة داخل البلاد وخارجها.