تتداول تلك الفترة تقارير إخبارية عدة معلومات حول محادثات سرية مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، لتكون بذلك المرة الثانية للمحادثات بينهما، كانت الأولى قبل حرب غزة في مايو (أيار) 2023 وهذه المرة أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة، وبعد جولة المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل.
في المرة الأولى للمحادثات توصلوا إلى تفاهم موقت في عمان، وافقت بموجبه إيران على عدم تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز نسبة نقاء 60 في المئة، والإفراج عن خمسة مواطنين أميركيين - إيرانيين مزدوجي الجنسية، والحصول على بعض الأموال المحتجزة في المقابل، كما أرسلت واشنطن إشارات بأنها لن تزيد من فرض العقوبات النفطية على إيران.
وكان من المفترض أن تستكمل تلك المحادثات في تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، لكن توقفت إثر عملية طوفان الأقصى والرد الإسرائيلي عليها والمستمر حتى الآن.
ثم تجدد التواصل بين الطرفين في كانون الثاني/ يناير 2024، إثر اندلاع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ومطالبة واشنطن طهران بإيقاف الهجمات.
أما ما تم تداوله تلك الأيام من حديث عن محادثات مباشرة بين واشنطن وطهران له أهمية أكبر، إذ إنها مباشرة وسرية كالمعتاد وجاءت بعد الهجوم الإسرائيلي والإيراني على بعضهما بعضاً، كما أنها تتناول الملف النووي الإيراني.
إذاً نحن أمام محادثات غير معلنة لكنها تأتي في سياق استعراض القوة العسكرية الإيرانية وتغيير قواعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، والعمل على بناء كل منهما لقدرات الردع في ظل متغيرات جديدة، ومحاولة محاكاة للعمليات العسكرية الحقيقية بينهما والرد الأميركي والغربي المتوقع.
وفى ظل السياق السابق يمكن توقع محاور المحادثات والملفات محل المناقشة، لتكون من بينها هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ودور الميليشيات التابعة لإيران واستهداف القواعد الأميركية أو توجيه هجمات على إسرائيل، والقدرات النووية الإيرانية التي تتسم بالغموض وفق التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا سيما مع زيارة مدير الوكالة لطهران خلال الأيام المقبلة، مما يعنى أن هناك تسوية ما ستتم وسيعلنها مدير الوكالة.
لكن لا يفوت هنا أن نشير إلى قيام طهران منذ توقف محادثات فيينا في سبتمبر (أيلول) 2021 باتباع سياسة الغموض النووي وتقليص عدد المفتشين وتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، بل إنها تمادت في تلك النسبة في خضم الانشغال الدولي بالحرب الإسرائيلية في غزة. ومن ثم في ظل أنه وفقاً للاتفاق النووي لعام 2015 فإنه من المقرر أن تنتهي القيود على إيران بموجبه في 2025، أي أننا إزاء واقع جديد في قدرات إيران النووية، لا يجدي معه الاتفاق القديم، وأننا أمام واقع نووي وإقليمي جديد في ما يخص وضع طهران.
السؤال هنا: لماذا لا يتم قبل التوصل إلى اتفاق ولو موقت بين إيران والولايات المتحدة إشراك الأطراف الإقليمية المعنية مثل دول الخليج في ما يتم التوصل إليه، لا سيما أن الدول الخليجية والعربية مثل مصر هي المتضررة من تعقيد الموقف في غزة وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر واضطراب الأمن البحري.
هل استمعت واشنطن إلى دول المنطقة إذا ما كانت تسعى إلى تهدئة التوترات؟ هل ضمن أجندة المحادثات بين واشنطن وطهران الضغط على إسرائيل للقبول بوقف إطلاق النار والدخول في هدنة، هل تستطيع طهران أن تقنع واشنطن بممارسة الضغط على إسرائيل من أجل إحياء حل الدولتين؟
أم ستقتصر المحادثات بينهما على الاعتراف الأميركي بالقدرات النووية الجديدة لطهران، وتحديد الخطوط الحمراء للعلاقة بين إيران وإسرائيل، والإفراج عن بعض الأرصدة لإيران، ثم التهدئة من قبل طهران خلال موسم الانتخابات الأميركية؟
كلها أسئلة توضح استمرار فشل إدارة جو بايدن في إدارة العلاقة مع إيران والخضوع للممارسات الإيرانية، وتعطيل سياسة العصا والجزرة التي تنجح في التعامل مع إيران في مقابل المهادنة الكاملة على حساب الأمن الإقليمي.
وبدلاً من تنفيذ الوعود باتفاق أشمل وأوسع كما وعد بايدن أصبحت المنطقة إزاء اتفاقات موقتة تكتيكية لإدارة العلاقة بين إيران وإسرائيل وواشنطن فقط.
لذا على دول المنطقة أن تستمر في بناء قدراتها العسكرية والأمنية وتنويع تحالفاتها بالقوى الدولية المختلفة وعدم الاعتماد على الشريك الأميركي فقط، ومن جهة أخرى فإن إجراء المحادثات المباشرة بين واشنطن وإيران يوضح بجلاء أن علاقات إيران مع روسيا والصين غير كافية ولم تحقق لها المردود الاقتصادي الذي يجعلها غير راغبة في التواصل مع واشنطن، إذ ستظل الأخيرة هي هدف إيران المنشود، وستظل طهران تتحرك وفق القواعد المحددة والمحسوبة بينها وبين واشنطن ولن تخرج عنها.
أندبندنت عربية