دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التصعيد، إثر تعثر المفاوضات بين اسرائيل وحماس، وإعلان إسرائيل عن بدأ العمليات العسكرية في مناطق محددة من رفح، تسبق عملية اجتياح واسعة للمدينة.
ومع هذا التصعيد الجديد والذي تتزامن مع تصعيد خطير على الجبهة اللبنانية، تبرز مخاوف حقيقية من انتقال الحرب في رفح إلى مناطق أخرى.
وفي هذا الشأن، ترى الباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حنين غدّار، في مقال نشره المعهد على موقعه الإلكتروني، أن "الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول كيفية التعامل مع اجتياح رفح، قد يشجع حزب الله على تسريع وتيرة عملياته المتصاعدة".
وتقول الباحثة اللبنانية: إنه "منذ خطابه الأول حول هذا الهجوم الإسرائيلي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ربط زعيم حزب الله حسن نصر الله، حرب غزة بالمواجهة التي يخوضها الحزب مع إسرائيل جنوب لبنان، وتؤكد التحركات الأخيرة للحزب اللبناني على هذا الارتباط. بينما تقوم قوات الجيش الإسرائيلي بتحركاتها الأولية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ويعلن حزب الله عن استخدام أسلحة جديدة في الهجمات عبر الحدود الشمالية، ويدعو إلى المزيد من تعبئة القوات، ويعطي إشارات أخرى عن تصعيد وشيك".
وتضيف أنه "سواء كانت هذه التحركات حقيقية أو رمزية، فإن الخطر كبير في أن تحاول الجماعة اللبنانية استغلال اجتياح رفح، من أجل تعميق التوترات بين إسرائيل وواشنطن والمجتمع الدولي"، مضيفةً: "الحكومة الإسرائيلية وجدت نفسها عالقة في عملية توازن صعبة، وذلك من شأنه أن يزيد من خطر سوء التقدير والحرب الشاملة، ما لم يتم استخدام الدبلوماسية الصارمة لمعالجة الوضع"، على حد قولها.
التصعيد منذ نيسان
وبعد اجتياح رفح، أفادت مصادر لبنانية، أن حزب الله أعلن التعبئة العامة، ليكون بوسعه الاستعداد لمواجهة الخطوة التالية التي ستُقدم عليها إسرائيل، في حال قررت توسعة الحرب لتشمل جنوب لبنان.
وبهذا الخصوص، تقول الباحثة اللبنانية، إن "تفعيل احتياطيات حزب الله. قد يكون مجرد تعبئة خطابية - فبدلاً من نشر جميع احتياطياته فعلياً على جبهة القتال، ربما يواصل حزب الله ببساطة استراتيجيته المتمثلة في التصريحات والإجراءات المحسوبة استجابة للتطورات المتغيرة مع الابتعاد عن التعبئة الكاملة والحرب الشاملة، على أقل تقدير في الوقت الراهن. ومع ذلك، وبغض النظر عن نوايا الجماعة، فإن التغيرات على الأرض خلال الأيام القليلة الماضية تشير إلى تزايد خطر الحرب، سواء أرادت الأطراف ذلك أم لا".
وبحسب الباحثة، فإن هذه التطورات في أعقاب تبادل إطلاق النار المباشر الذي وقع الشهر الماضي بين إيران وإسرائيل، والذي أبرز أهمية وحساسية دور حزب الله باعتباره الوكيل الإقليمي الأول لطهران.
فقد كشف الهجوم الصاروخي والطائرات بدون طيار الذي وقع في 13 نيسان/أبريل على إسرائيل عن عدم كفاية القدرات العسكرية الإيرانية - فإذا كانت تأمل في اختراق دفاعات الحلفاء في عملية محتملة أكبر أو حرب مستقبلية، فمن المرجح أن تحتاج طهران إلى انضمام حزب الله إلى ترسانتها الضخمة. ويعني هذا الإدراك أيضاً أن أسلحة حزب الله تظل بمثابة درع دفاعي رئيسي، وبوليصة تأمين لإيران، وهو ما يكره النظام أن ينفقه نيابة عن غزة أو حماس.
اجتياح رفح
وأضافت الباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن "بدء اجتياح القوات الإسرائيلية لمدينة رفح أمر مهم بالنسبة لحزب الله لسببين رئيسيين. أولاً، كانت ردود الفعل الدولية على العملية قاسية للغاية بسبب العواقب الإنسانية المحتملة، ما دفع حزب الله إلى استنتاج أن إسرائيل قد تكون الآن أكثر عزلة وعرضة للخطر. حتى أن إدارة بايدن انتقدت العملية علنًا، وأوقفت شحن بعض الذخائر إلى إسرائيل - وهو القرار الذي من المرجح أن يعتبره حزب الله وإيران والجهات الفاعلة الأخرى بمثابة تحول في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، على الرغم من أن معظم عمليات نقل الأسلحة، إن لم يكن جميعها، قد استؤنفت.
وثانياً: على الرغم من استمرار إسرائيل في نشاطها العسكري على مستوى منخفض في غزة لعدة أشهر مقبلة، إلا أن اجتياح رفح قد يعني نهاية عملياتها القتالية الرئيسية هناك. وهذا يعني أن الجيش الإسرائيلي قد يتمكن قريباً من إعادة تركيز المزيد من الموارد والاهتمام على الجبهة اللبنانية، بهدف إعادة سكان الشمال إلى منازلهم. بل إن مؤشرات وتصريحات متعددة تشير إلى تصعيد إسرائيلي ضد حزب الله بعد رفح.
وتضيف الباحثة اللبنانية، "إذا شك نصر الله في أن إسرائيل تستعد لمهاجمة حزب الله في المرة القادمة، فسوف يضطر إلى الاختيار بين خيارين غير مرغوب فيهما: الدخول في حرب واسعة النطاق، أو قبول الشروط التي اقترحها الدبلوماسيون الأمريكيون والفرنسيون مؤخراً. ويعني السيناريو الأخير الانسحاب من الحدود (أو على الأقل الالتزام بذلك على الورق)، مع التوصل إلى معادلة ردع جديدة".
وترى الباحثة أنه "بناء على ذلك، قد يشعر حزب الله بأنه مضطر إلى استعراض عضلاته خلال حملة اجتياح رفح من أجل فرض شروط على إسرائيل وواشنطن وباريس. ومن المرجح أن تفضل المجموعة العودة إلى الوضع الراهن قبل السابع من أكتوبر، دون أن تضطر إلى الانسحاب علناً من الحدود (على الرغم من أن إسرائيل لن تقبل هذا الشرط أبداً). ويتعين عليها أيضاً التأكد من ردع الجيش الإسرائيلي عن ضرب إيران بشكل مباشر، أو تقليص الوجود الإيراني ونفوذه في المنطقة بشكل كبير".
خيارات السياسة الأميركية
وتطرقت الباحثة اللبنانية في مقالها إلى الدعم الأميركي القوي لإسرائيل، وقالت إنه في الأشهر الأولى من حرب غزة، كان دعم إدارة بايدن القوي لإسرائيل، والرسائل الصارمة الموجهة إلى إيران وحزب الله، والنشر المكثف للسفن الحربية والطائرات المقاتلة في المنطقة، يشكل رادعاً قوياً. وقد أدرك حزب الله المخاطر المرتبطة بتحدي هذا الموقف. واليوم، يظل الردع الأمريكي القوي أمراً بالغ الأهمية، ليس فقط لمنع نشوب حرب أوسع نطاقاً، بل وأيضاً لتسهيل التوصل إلى اتفاق فعال لوقف إطلاق النار على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
وتضيف: "إدارة بايدن عليها الاستمرار في دفع اتفاق وقف إطلاق النار، مع الاستمرار في توضيح أنها ستدعم إسرائيل في حالة اندلاع الحرب مع حزب الله".