بات مستقبل الحكومة الإسرائيلية التي تجمع الخصوم والحلفاء على حافة الهاوية، بعدما قام اثنان من كبار أعضائها بكيل انتقادات لاذعة لرئيسها بنيامين نتنياهو، ووجها إليه إنذاراً نهائياً في ما يتعلق باستراتيجيته في غزة.
وبدا أن ائتلاف الطوارئ المتنوع سياسياً الذي شكل بعد الهجوم الصادم الذي شنته حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي آخذ في التفكك بسرعة، مع دخول الحرب في القطاع شهرها الثامن، كما يبدو أن الصبر تجاه رئيس الوزراء المثير للانقسام آخذ في النفاد.
ووجه اثنان من الوزراء الثلاثة في مجلس الحرب الداخلي الإسرائيلي (مجموعة من كبار الوزراء والقادة العسكريين، تقوم بإدارة استراتيجية البلاد وقراراتها في فترة الحرب) - هما زعيم المعارضة بيني غانتس ووزير الدفاع يوآف غالانت - انتقادات لاذعة إلى رئيس الوزراء نتنياهو في الساعات الـ48 الأخيرة، في ما يتعلق بإحجامه عن الموافقة على خطة "اليوم التالي" في غزة، بمجرد انتهاء الصراع في القطاع.
وهدد غانتس الذي تولى سابقاً منصب قائد الجيش الإسرائيلي بأن "حزب الوحدة الوطنية" National Unity Party الذي يتزعمه سينسحب من الحكومة الائتلافية إذا لم يقدم اقتراح للأمن والحكم في قطاع غزة بحلول الثامن من حزيران/ يونيو المقبل، أما غالانت فحذر من أنه لن يقبل بوجود طويل الأمد لإدارة عسكرية أو مدنية إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية بعد انتهاء النزاع.
من الناحية الإجرائية يمكن لرئيس الوزراء نتنياهو أن يواصل ممارسة السلطة إذا ما خرج هذان الوزيران من حكومته، لكن ذلك يعني أنه سيعتمد كلياً على دعم المتطرفين اليمينيين له في ممارسة الحكم، مثل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتامار بن غفير، ووزير المال بتسلئيل سموتريتش. ويطالبه هذان الوزيران بالعمل على طرد الفلسطينيين من غزة وإعادة توطين إسرائيليين مكانهم في القطاع، مع وضع خطط لتطبيق النهج نفسه على الضفة الغربية في المستقبل.
ويمكن القول إن التفاعل داخل مجلس الحرب أصبح مشتتاً على أقل تقدير، ففي اجتماع عقد أخيراً لهذه المجموعة المقررة، صرخ بن غفير في وجه عضو الكنيست عن "حزب الوحدة الوطنية" غادي آيزنكوت (القائد السابق للجيش الإسرائيلي مثل غانتس) قائلاً: "لقد سمعنا ما يكفي منكم أيها الجنرالات". ورد آيزنكوت الذي فقد ابنه في هذه الحرب على بن غفير واصفاً إياه بأنه "متهرب من الخدمة العسكرية"، ومشيراً إلى أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي ممنوع من الخدمة العسكرية، بسبب تورطه السابق في الإرهاب الذي مارسه اليمين المتطرف الإسرائيلي.
وبدا الاستياء واضحاً لدى مسؤولي الدفاع الإسرائيليين من رفض بنيامين نتنياهو وقوى اليمين السماح بقيام إدارة فلسطينية تحل مكان حركة "حماس" في غزة، وتجلى ذلك في انتقاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الحكومة علناً في مؤتمر صحافي، بدلاً من الدفاع عنها. ففي رد من الأدميرال دانيال هاغاري على سؤال عما إذا كانت حركة "حماس" قادرة على تنفيذ هجمات في مناطق يفترض أن الجيش الإسرائيلي قام بتطهيرها، لأنه لم يسمح بأية إدارة فلسطينية بديلة، أقر هاغاري بأن هذا هو واقع الحال "بلا شك"، لكنه أضاف أن "هذه المسألة هي من اختصاص السياسيين صناع القرار".
يشار إلى أن غضباً متزايداً يسود بين عائلات الرهائن الإسرائيليين الذين أسرتهم حركة "حماس" في غزة. ويقوم أفراد هذه الأسر بتنظيم مسيرات احتجاج باستمرار، تكرر المطالبة بإقرار وقف لإطلاق النار. وأدى الاكتشاف الأخير لجثث أربعة أسرى خلال الساعات الماضية، إلى تفاقم حال الغضب على نتنياهو بسبب تردده الواضح في قبول اتفاق سلام.
ورداً على الانتقادات المتزايدة اتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي موقف الهجوم على خصومه داخل الحكومة. ووصف مكتبه تصريحات الوزير بيني غانتس بأنها "عبارات فارغة ومبتذلة". وأضاف: "في وقت يخوض فيه مقاتلونا الأبطال مواجهة لتفكيك حركة ’حماس‘ في رفح، يختار غانتس توجيه إنذار نهائي إلى رئيس الوزراء بدلاً من توجيهه إلى ’حماس‘".
ويواصل بنيامين نتنياهو إصراره على أن أفضل طريقة لإنقاذ الرهائن الإسرائيليين المتبقين تتمثل في تحقيق نصر كامل على حركة "حماس". ويرى أن الصفقة المطروحة على الطاولة والقاضية بإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين في مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، هي ببساطة غير مقبولة.
وكانت وجهت اتهامات إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه يريد إطالة أمد الحرب من أجل الحفاظ على نفسه. فهو يواجه تحقيقات عامة في الإخفاق الأمني الكارثي الذي أدى إلى وقوع المذبحة التي قامت بها "حماس"، ويخضع أيضاً لتحقيقات منفصلة من جانب الشرطة، تتعلق بمزاعم عن تلقيه رشوة، والقيام بأعمال احتيال، وممارسة سوء الأمانة.
وتمكن نتنياهو من الصمود في وجه الضغوط الخارجية على حكومته - بما فيها تلك التي تقوم بها الولايات المتحدة، التي يشكل دعمها لإسرائيل أهمية بالغة كي تتمكن من مواصلة الصراع - وذلك لمنعها من المضي في الهجوم على رفح، وزيادة كمية المساعدات لقطاع غزة. وهو يبدو، أقله في الوقت الراهن، عازماً على مقاومة الضغوط الداخلية.
ويمكن القول أخيراً إن بيبي نتنياهو - الذي تمكن من أن ينجو باستمرار في السياسة - لا يبدي أية إشارة على أنه مستعد للاستسلام. ويدل إصراره على مواصلة الصراع، على أن الحرب مستمرة، وإلى جانبها مزيد من الانقسامات داخل المجتمع والسياسة في إسرائيل.
The Independent