كان على قادة حماس أن يَتمهَّلوا ويُراجِعوا أنفسَهم قبل أن يُعلِنوا رفضهم المُتعجِّل لطلب النائب العام لمحكمة الجنايات الدولية بأن تستدعى المحكمة ثلاثة منهم للمحاكمة، مع أكبر اثنين من مسؤولي إسرائيل: رئيس الحكومة نيتانياهو ووزير الدفاع غالانت.
ذلك لأنه كانت أمام حماس إشارة تنبيه كبرى تمثَّلت فى سبق إسرائيل بإعلان موقفها الحاد برفض قرار النائب العام، وكان هذا وحده كافياً لأن يتحرز قادة حماس ويتيحوا لأنفسهم الوقت الكافى ليفسروا لأنفسهم، قبل جماهيرهم، كيف يتخذون مع إسرائيل موقفاً واحداً؟ وأن يعرفوا آثار هذا القرار كأول سابقة فى تاريخ إسرائيل يُطلَب فيها أحد مسئوليها للمحاكمة عن بعض جرائمها ضد الفلسطينيين، بما يساوى قادتها مع عتاة حكام الاستبداد والإجرام والعنف والفساد فى العالم الثالث، بما يؤثر على الصورة التى تحب إسرائيل أن تقدم بها نفسها كممثل للعالم المتحضر فى المنطقة.
ثم إن قادة حماس يعلنون دائماً أنه لم يعد متاحاً لهم إلا استخدام السلاح لتحقيق الأهداف الفلسطينية، فكيف يبددون فرصة استثنائية بهذا الحجم، تتيح لهم جملة أشياء دفعة واحدة على واحد من أكبر المنابر فى العالم؟ فكما أنها فرصة استثنائية كبرى لإخضاع قادة إسرائيل للمحاكمة، فهى أيضاً فرصة تاريخية للفلسطينيين ليشرحوا قضيتهم، ويفضحوا إسرائيل بعرض جرائمها ضد شعبهم ومدنييهم، خاصة قتل أطفالهم بهذه الوحشية، ويبرروا لجوءهم للسلاح، ويطلبوا ممن اتهمهم بالباطل أن يأتى بالدليل وإلا تسقط الاتهامات رسمياً بقرار من المحكمة الدولية..إلخ، وهذا كله يُفيد القضية الفلسطينية أكبر فائدة. أما موقف الرفض الإسرائيلى فهو مفهوم لأن مثول قادتها أمام المحكمة سابقة تترتب عليه، إضافة إلى ما سبق، نتائج أخرى، منها عرقلة مشروعهم فى الاستيلاء على كامل فلسطين.
طبعاً، ليس من الحصافة توقع مثول قادة إسرائيل أمام المحكمة. وهذه فرصة كبرى للفلسطينيين: إما أن يشترطوا أن يكون تسليمهم لأنفسهم بعد أن يُقبض على نيتانياهو وجالانت، أو حتى أن يقبلوا تسليم أنفسهم دون هذا الشرط، ولكن بشرط آخر أن يُحاكَم الإسرائيليون غيابياً.
أما رفض حماس هكذا، فتستطيع ماكينة الدعاية الإسرائيلية أن تستغله لتقلب الأوضاع وتُرَوِّج بأن الفلسطينيين هم الذين يُعرقِلون المحاكمة.