قال رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية ما لم يكن من المتعارف عليه سابقاً على مستوى مصطلحاته السياسيّة التي تجاوزت حلبة الترشيحات الرئاسيّة الحاليّة نحو فكرة تنافسية انتخابيّة بينه وبين المرجع الأقوى مسيحيّاً رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وذلك بعدما وجّه فرنجية محرابه السياسيّ نحو التيار الوطنيّ الحرّ الذي سبق أن طرح فكرة أن يكون الشخص الأكثر تمثيلاً شعبّياً لدى المسيحيين رئيساً للجمهورية، حيث يجب، بحسب ما أعرب عنه فرنجية، أن يكون جعجع مرشّح التيار في حال استمرار الأخير بهذه النظرية.
وسرعان ما احتوى الشارع السياسيّ تصريح فرنجية على أنّه ليس بعيداً عن المناورات المبتغية التضييق على الوطنيّ الحرّ. هذه الأجواء برزت على نطاق قواتيّ أبقى خطاب رئيس المردة ضمن هذه الرقعة السياسيّة، رغم تعبير من واكب التصريح في القوات عن ترحيب وامتنان لطرح مماثل في حال تبلور إمكان التزام القوى السياسية بالمعادلة الانتخابية التي طرحها فرنجية، لكنّها ليست بمثابة فكرة موضوعة على طاولة الانتخابات الرئاسية رغم اعتبارها منطقيّة إنّما لا قدرة على بلورتها.
وطرحت استفهامات قواتية فحواها أنه إن كان حزب الله لا يتنازل عن ترشيحه الأوحد نحو فكرة المرشح الثالث حتى اللحظة، هل يمكن له أن يخوض الاستحقاق الرئاسيّ في مواجهة الأقوى مسيحيّاً؟ تشير الإحصاءات الانتخابية النيابية الأخيرة إلى اعتبار سمير جعجع الأقوى مسيحيّاً بعدما استطاعت لوائح حزب القوات اللبنانية أن تحصد 186046 من الأصوات على مستوى الأقلام المسيحية البحتة و45327 في الأقلام المختلطة خلال الانتخابات النيابية 2022، في موازاة حصول لوائح التيار الوطنيّ الحرّ على 121425 من الأصوات في الأقلام المسيحية البحتة و31397 في الأقلام المختلطة، بحسب مركز دراسات الباحث كمال الفغالي. وانتخب 22315 من المواطنين لوائح تيار المردة على نطاق الأقلام المسيحية البحتة، و5030 في الأقلام المختلطة. واستطاعت لوائح حزب الكتائب أن تحوز 75022 من الأصوات في الأقلام المسيحية و7938 في الأقلام المختلطة. وحصلت لوائح قوى التغيير على 85288 في الأقلام المسيحية و52931 في الأقلام المختلطة. وبذلك، وفق الإحصاءات، يكون 33.3% من المواطنين المسيحيين الذين اقترعوا في الأقلام المسيحية البحتة قد صوّتوا لمصلحة لوائح القوات اللبنانية، 21.8% للوائح الوطني الحرّ، 4% لتلك الخاصة بالمردة، 13.4% للوائح اكتائب، و15.3% للوائح التغييرين.
كانت تغريدة عضو تكتل الجمهورية القوية النائب ملحم الرياشي بمثابة الردّ القواتيّ الأوّل على موقف فرنجية، حيث أكّد الرياشي أن كلامه يستحقّ التنويه والتوقّف عنده. ماذا عن فحوى انطباعات القوات حول تصريح فرنجية أيضاً؟ في حديث لـ"النهار" مع عضو تكتل الجمهورية القوية النائب سعيد الأسمر، تأكيدٌ على أنّنا في القوات أكثر من مرحّبين إن كانت القوى السياسية على استعداد للالتزام في المعادلة الانتخابية التنافسية التي طرحها رئيس تيار المردة، لكنّها فكرة لا تتجاوز حدود محاولة حشر رئيس التيار الوطنيّ الحرّ النائب جبران باسيل على النطاق السياسيّ. وعندما يُعطى الوطنيّ الحرّ المغريات التي يسعى إليها على المستويين الوزاريّ والإداريّ، وحتّى المستوى الرئاسيّ، فإنّ موقعه الطبيعي سيكون مع فريق الممانعة ما يجعل المعركة السياسية للقوى المعارضة مستمرّة حتى النهاية وسط جهوزيّة لشتّى أشكال التعاون والتحاور والتشاور ضمن السقوف القانونية خارج أي أعراف، لأن الدستور أقوى من كلّ شيء، ما يجعل معركة قوى المعارضة هادفة للوصول إلى رئاسة تشبه طموح اللبنانيين وتطلّعاتهم.
يضيف: عمليّاً لا يوافق محور حزب الله على انتخاب سمير جعجع رئيساً للجمهورية لأنّه الأقوى مسيحياً. إن كان لا بدّ من انتهاج مضامين الاتّفاق الذي كان حصل التوصّل إليه على مضض في بكركي، فإنّ سمير جعجع هو المرشّح المسيحيّ الأقوى للرئاسة الأولى حاليّاً، مع تحبيذ القوات انتخابه باعتباره الشخص المناسب لإنقاذ البلد من أزمته خصوصاً بعدما بقيت الرئاسة مع محور الممانعة محطات متتالية فأوصل البلد إلى ما وصل إليه. في استنتاج سعيد الأسمر، إنّ الواقعية السياسية في لبنان تبيّن أن حزب الله لا يوافق على التنازل عن مرشّحه الأوحد سليمان فرنجية للرئاسة الأولى، فهل يمكن أن يمشي في معادلة تنافسية مع المرشّح الأقوى سمير جعجع؟ إنّ ما يحصل غايته محاولة دفع التيار الوطنيّ الحرّ للمضيّ في الطرح الرئاسي الخاص بمحور الممانعة. رغم اقتناع القوات اللبنانية في أحقية حيازتها رئاسة الجمهورية لا تتوانى عن تقديم التنازلات نحو رئيس في استطاعته العمل وأن يجمع اللبنانيين حتى تكون هناك استطاعة لانتقال لبنان إلى مرحلة مختلفة مع حرص القوات على لبنان والتمسّك بمطلب حصرية السلاح وضبط الحدود. وفيما وافقت القوات على التنازل عن مرشّحين رئاسيين للتشاور حول فكرة المرشّح الثالث، فإنّ عقدة تعنّت محور الممانعة بالإبقاء على مرشّح أوحد على حالها مع انتظار حزب الله المتغيرات الإقليمية بحسب "النهار".