رعى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ممثلا بوزير المال الدكتور يوسف الخليل، قبل ظهر اليوم، في فندق "فنيسيا" في بيروت، حفل افتتاح "المنتدى العقاري اللبناني الثاني" تحت عنوان "القطاع العقاري والسكني في لبنان بين الركود والنهوض"، بدعوة من نقابة العقارات في لبنان، تخلله توقيع النقابة عدة اتفاقيات مع عدد من المؤسسات.
وقال حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري: "يعتبر سوق العقارات في لبنان من أكثر الأسواق نشاطاً وحيوية في المنطقة، وهو يشكل مصدرا هاما للدخل للعديد من الأفراد والشركات. يساهم هذا القطاع في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ويعزز من قيمة الأصول ويخلق بيئة ملائمة للنمو الاقتصادي. فمن خلال توفير فرص العمل سواء في مجال البناء والتطوير أو في الصناعات المرتبطة به مثل الإسمنت والحديد والأخشاب، يعتبر القطاع العقاري في لبنان محركا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو يسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة في البلاد".
واضاف: "وفقا لتقارير وإحصائيات حديثة، يمثل قطاع العقارات حوالي 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان، فيما تشير آخر إحصاءات مصرف لبنان أن مجموع كميات الإسمنت المسلّمة خلال العام 2023، وهو مؤشر النشاط الحالي لقطاع البناء، ارتفعت بحوالي 11٪ مقارنةً بالعام 2022، بينما انخفضتً مساحات البناء المرخصة خلال العام 2023، أي مؤشر النشاط المستقبلي للقطاع، بنسبة 43٪ مقارنة بالعام 2022".
وتابع: "إلا أن القطاع العقاري في لبنان يواجه منذ سنوات تحديات جسيمة بسبب الأزمات المتتالية التي عصفت بالبلاد والتي أثّرت بشكل كبير على قدرة القطاع على النمو والاستقرار. فقد أدّى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وتراجع الاستثمارات، وارتفاع تكلفة البناء إلى تباطؤ وتراجع في النشاط العقاري وانخفاض في الأسعار. إضافة إلى ذلك، كان لتراجع السيولة في المنطقة بفترة طويلة قبل اندلاع الأزمات أثر سلبي على الوضع العقاري في مجمل دول المنطقة وليس في لبنان فحسب".
وأشار إلى أنه "قبل أزمة تشرين الأول من العام 2019، كانت القروض السكنية تشكل حوالي 19٪ من مجموع التسليفات المصرفية، كما استحوذ قطاع السكن على 60٪ من مجموع رزم الحوافز المصرفية لدعم القطاعات الاقتصادية المختلفة بين الأعوام 2013 و2019. حاليا، يشكل توقف التسليف بسبب أزمة المصارف اللبنانية عائقاً كبيراً في وجه إعادة إطلاق هذا القطاع".
وأوضح أن "هذا التوقف أدى إلى نقص السيولة المتاحة للمستثمرين والمطورين، مما أبطأ وتيرة المشاريع العقارية وأدى إلى تجميد العديد منها. ويتطلّب هذا الوضع إيجاد حلول فعّالة وسريعة لتحريك عجلة التمويل العقاري من جديد".
وقال: "في الواقع، يواجه الاقتصاد اللبناني منذ أكثر من أربع سنوات ظروفاً استثنائية وضاغطة ناتجة عن الأزمة المتعدّدة الأبعاد التي يمّر بها، لتضاف إلى الضغوط والصعوبات المستمرة جراء الأزمة السورية ومخاطرها، لا سيما تدفّق النازحين ليصبح لبنان البلد الذي يأوي أكبر عدد نازحين في العالم مقارنة بعدد سكانه. أضف الى ذلك تطور الأوضاع الجيوسياسية لا سيما الحرب على غزة وتداعياتها على لبنان".
وأوضح منصوري، أن "هذا الواقع انعكس فيما سجلت المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في مجالات التجارة الخارجية والسياحة والاستثمار والاستهلاك والإنفاق الحكومي من تراجعٍ حاد منذ نهاية العام 2019، بالتزامن مع ارتفاع غير مسبوق في الأسعار. فمنذ بداية الأزمة لغاية اليوم، شهد الاقتصاد انكماشاً وانخفض من حوالي 55 مليار دولار سنويا الى أدنى من 20 مليارا، وفقدت الليرة اللبنانية 98% من قيمتها، فيما بلغ متوسط التضخم 3.221% في العام 2023. أما الموازنة، فانخفضت من 17 مليار دولار الى 3.2 مليار".
وتابع: "على الرغم من هذه المؤشرات السلبية، نحن نرى أن الوقت قد حان لكي يعيد القطاع المصرفي عملية التسليف، لأنه لا يمكن إعادة العجلة الاقتصادية من دون عودة الإقراض إلى القطاع الخاص. فالقطاع المصرفي اللبناني يشكل جزءاً أساسياً وحيوياً من الاقتصاد اللبناني وهو يعتبر المحرك الأساسي لعملية النمو. وتوفر المصارف والمؤسسات المالية بشكل عام البيئة المثالية لجذب الأموال والاستثمارات لتوجيهها نحو المشاريع والأنشطة الاقتصادية".
وأكد أن "دور المصرف المركزي يتمثل في تأمين الاستقرار النقدي الذي يؤمن بدوره الاستقرار الاجتماعي، كما نص قانون النقد والتسليف".
اضاف: "لتأمين هذا الاستقرار قمنا، بالتعاون مع الحكومة اللبنانية ووزارة المال بضبط النقد بالتداول بالليرة، إذ انخفضت الكتلة النقدية بحوالي الثلث من 82 تريليون ليرة في بداية العام 2023 إلى 60 تريليون ليرة حاليا، ومنعنا التلاعب بالعملة واتخذ المصرف المركزي قرارا بعدم المس بالاحتياطي الالزامي ووقف تمويل الدولة بالليرة والدولار".
وتابع: "كما سجلت الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي فائضا تجاوز المليار وثلاثماية مليون دولار منذ آب 2023، لتصبح 9929 مليار دولار، مقابل كتلة نقديّة دون الـ700 مليون دولار".
وأردف: "غير أن الاستقرار النقدي الحاصل اليوم نتيجة ضبط الكتلة النقدية بالليرة، وعدم ضخ الدولار إلا من خلال الدولة، وخلق توازن بين الاقتصاد المدولر والاقتصاد بالعملة المحلية، لا يكفي لبناء الاقتصاد".
وقال إن "ذلك يقتضي العمل فورا على: إنجاز القوانين الإصلاحية، وتنظيم مالية الدولة، وحل أزمة أموال المودعين، واستعادة الثقة بالمصارف، وعودة السيولة إلى المصارف، وهذا ما يتيح لمصرف لبنان، كمنظم للقطاع المصرفي، أن يتشدّد أكثر للحد من الاقتصاد النقدي ليبقى لبنان مندمجاً في النظام المالي العالمي. وكما تعلمون، يخضع لبنان، كما البلدان المجاورة، لمزيد من التدقيق من المجتمع الدولي".
واضاف منصوري: "يجب علينا ألا نغفل ما سبّبته الأزمات المتلاحقة في لبنان من حالة انعدام الثقة، مما حرف النشاط الاقتصادي إلى خارج النظام المصرفي فأصبح نقديا بمجمله (cash economy)".
بدوره، القى وزير المالية يوسف الخليل كلمة الرئيس ميقاتي فقال: "لقد شرّفني دولة الرئيس أن أُمثلّه في مؤتمركم الغني بالنقاشات والعناوين التي فيها الكثير من التحدي في هذا الظرف بالذات ألا وهو القطاع العقاري والسكني في لبنان بين الركود والنهوض، فكما تعلمون أن القطاع العقاري في لبنان يمر بفترة ركود نتيجة للأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات. هذه الأزمة أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين وأدت إلى انخفاض الطلب على العقارات، كما أن التقلبات الكبيرة في أسعار الصرف وفقدان الثقة في النظام المالي زادت من تعقيد الوضع. لكن ماذا علينا أن نفعل كحكومة في موازاة جهود القطاع الخاص؟".
اضاف: "نحن كحكومة، ندرك تماماً أهمية القطاع العقاري كركيزة أساسية للاقتصاد الوطني ومصدر رئيسي للاستثمار. لذا، اتخذنا عدة خطوات استراتيجية تهدف إلى تفعيل هذا القطاع وإنعاشه. من بين هذه الخطوات:
سوف يتم العمل في القريب العاجل على توحيد التخمين للعقارات من خلال تشكيل لجان مشتركة من وزارة المالية والجهات المعنية لتوحيد التخمين للعقارات. هذا التوحيد يهدف إلى تقديم تخمينات عادلة وموحدة للعقارات، مما يساعد في خلق بيئة شفافة ويعزز الثقة بين المستثمرين والمشترين. التخمين الموحد يقلل من التفاوت في الأسعار ويسهم في استقرار السوق العقارية".
وتابع: "اننا كحكومة ملتزمون باستكمال عمليات التحديد والتحرير والكيل للأراضي اللبنانية كافة غير المنجزة حتى اليوم. كما تم إعداد مشروع قانون للربط بين الكتاب العدل وأمانات السجل العقاري والدوائر الضريبية المختصة، ما يسهل عملية التسجيل وضمان حق أفرقاء العقد".
وقال: "هذا النظام يسهل ويُسرع عملية تسجيل العقارات ويقلل من البيروقراطية، ما يجعل الإجراءات أكثر سلاسة وبسرعة. ان النافذة التي ستنشأ عن هذه العملية ستكون واحدة تتيح للمواطنين والمستثمرين إجراء جميع معاملات العقارات في مكان واحد، ما يوفر الوقت والجهد ويعزز من كفاءة العمليات".
اضاف: "من خلال هذه الإجراءات، نسعى إلى تحفيز النمو في القطاع العقاري وجذب المزيد من الاستثمارات، ونهدف أيضاً إلى تحسين البيئة التنظيمية والقانونية لتعزيز الثقة في السوق العقارية".
وختم: "يهمنا أن نؤكد أننا ملتزمون بالعمل الجاد والمستمر لتحقيق هذه الأهداف، ونعمل على بناء مستقبل أفضل للقطاع العقاري وللإقتصاد اللبناني ككل".