تثير المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة، دونالد ترامب، ملاحظات مهمة حول الحدث والدلالات.
فمنذ تولي جورج واشنطن منصبه كأول رئيس للولايات المتحدة الأميركية عام 1789 وحتى اليوم، تعاقب على هذا المنصب 46 رئيساً. وخلال هذه الأعوام التي بلغت 235 عاماً، تم اغتيال أربعة من الرؤساء الأميركيين، هم الرئيس الـ16 إبراهام لينكولن عام 1865، والرئيس الـ20 جيمس غارفيلد عام 1881، والرئيس الـ25 وليام ماكينلي عام 1901، والرئيس الـ35 جون كيندي عام 1963.
وغير هذه الاغتيالات التي تمت، تعرض نحو ثلاثة عشر رئيساً أميركياً آخرين لمحاولات اغتيال فاشلة، والبعض منهم لأكثر من مرة. وتعني هذه الأرقام، أنه منذ تولي الرئيس الأميركي الأول تعرض نحو 37% من رؤساء الولايات المتحدة لمحاولات اغتيال، ناجحة أو فاشلة، وبلغ بهذا متوسط المدى الزمني لهذه المحاولات، محاولة اغتيال كل أربعة عشر عاماً تقريباً.
ويبدو واضحاً من مقارنة هذه المعدلات العالية في التاريخ الأميركي لمحاولات اغتيال الرؤساء، مع ما جرى بالدول الأوروبية وكندا، والتي تقع ضمن المنظومة الغربية التي تتصدرها الولايات المتحدة الأميركية، من محاولات اغتيال للرؤساء ورؤساء الوزارات، أن التصدر الأميركي متواصل أيضاً، وبلا منافسة على هذا المستوى.
ولا شك في أن ملابسات ودوافع تلك المحاولات لاغتيال رؤساء الولايات المتحدة، التي أفلحت والتي أخفقت، كانت متنوعة ومختلفة من محاولة لأخرى، وفقاً للسياق المحيط بكل منها وقت وقوعها. إلا أن هناك مجموعة من الملامح المشتركة بين كل هذه المحاولات الفاشلة والناجحة.
وأول هذه الملامح، هو أنه في الاغتيالات الأربعة الناجحة تم الكشف نهائياً عن الجناة في ثلاثة منها وبدون غموض أو تعقيدات، بينما بقي اغتيال الرئيس كيندي حتى اليوم مثاراً لمناطق رمادية كثيرة، وتساؤلات لم تتم الإجابة الواضحة عن أي منها.
وقد سرى هذا الملمح أيضاً على الأغلبية الساحقة من محاولات الاغتيال الفاشلة، حيث تم الكشف والإعلان عمن قام بها، ولم يبق وراء أي منها غموض كبير ولا تساؤلات لم تتم الإجابة عنها.
وثاني هذه الملامح، هو أن كل الاغتيالات التي تمت والمحاولات التي فشلت، وقعت جميعها على الأراضي الأمريكية، عدا المحاولات التي استهدفت الرئيسين بوش، الأب والابن، على أراضي دول أخرى خارج الولايات المتحدة. ويكتمل هذا الملمح بآخر، وهو أن الغالبية الساحقة من محاولات اغتيال الرؤساء الأميركيين، لم ترتبط بقضايا السياسة الخارجية الأميركية.
وظلت دوافعها وأسبابها – المعلنة من القائمين بها في التحقيقات – لصيقة بالأوضاع والتطورات الأميركية الداخلية بمختلف أنواعها، اجتماعية واقتصادية، وعرقية، وسياسية، وغيرها.
ويبدو الملمح التالي مهماً، وهو أنه بالإقرار بوجود الدوافع والأسباب الداخلية المشار إليها للقيام بمحاولات الاغتيال، فإنه لم يثبت أن أياً من القائمين بها كان جزءاً من تشكيل سياسي أو إجرامي أو إرهابي أوسع، له دوره في التدبير والتنفيذ.
فلقد كان وراء كل هذه المحاولات أفراد قاموا بأنفسهم بترتيب المحاولة وتنفيذها. وربما يشذ اغتيال الرئيس كيندي وحده عن هذا الملمح، حيث لا تزال حتى اليوم قائمة كل النظريات التي تطرح احتمالات وجود "مؤامرات" أوسع بكثير من قاتله وقاتل قاتله، لتشمل جهات مهمة أميركية وأخرى خارجية.
ويظهر هنا الملمح الأخير والمتفرد لمحاولة اغتيال الرئيس السابق ترامب، وهو أنها ربما المرة الثانية التي تجري فيها محاولة لاغتيال أحد المرشحين البارزين لهذه الانتخابات قبل شهور قليلة من إجرائها.
وكانت المرة الأولى هي اغتيال شقيق الرئيس جون كيندي الأصغر السيناتور روبرت كيندي الأقرب ليصبح مرشح الحزب الديمقراطي حينذاك، في حزيران/ يونيو 1968، ولينفتح الباب أمام فوز ساحق للمرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.
وتتضح أهمية هذا الملمح المتفرد في محاولة اغتيال الرئيس السابق ترامب، من الخلفية السياسية شديدة الحدة والصخب، وغير المسبوقة في المنافسة على منصب الرئيس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
والتي يرى عديد من المحللين أنها قد تكون هي الخلفية الحقيقية لتفسير المحاولة، وأنها – وهو الأخطر – قد تكون مقدمة لتغيرات جوهرية في أركان وملامح المشهد السياسي الأميركي خلال المديين القصير والمتوسط.