دولي

حكمن من وراء ستار.. أسرار "القوى الناعمة" في القصور ‏الرئاسية

حكمن من وراء ستار.. أسرار

في ظل حالة الزخم التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية ‏قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية، وخصوصاً ما يعانيه ‏الحزب الديمقراطي من انقسام بشأن استمرار مرشحه جو ‏بايدن، فقد تصدّر اسم السيدة الأولى جيل بايدن العناوين ‏باعتبارها الأكثر تأثيراً في قرارات زوجها، لكن ذلك أضاف ‏بالتبعية أيضاً اسم السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما كمرشحة ‏بديلة، ومن قبلهما السيدة الأولى الأخرى التي ترشحت بالفعل ‏هيلاري كلينتون، ليسلط كل ذلك الضوء على ما يوصف ‏بـ"التأثير الناعم" داخل القصور الرئاسية.‏

جيل بايدن

وقفت السيدة الأولى جيل بجانب زوجها طوال حياته المهنية ‏الممتدة لعقود من الزمن، منذ أن كان عضواً في مجلس ‏الشيوخ عن ولاية ديلاوير حتى أصبح القائد الأعلى للقوات ‏المسلحة، وغالباً ما كانت بمثابة الصوت الحاسم وراء العديد ‏من خيارات زوجها السياسية.‏

وبينما يلجأ الرئيس في كثير من الأحيان إلى عائلته بشأن ‏القرارات الكبيرة، فإن جيل هي من بين مجموعة قليلة من ‏كبار المستشارين الذين يتمتعون بأكبر قدر من التأثير في ‏الرئيس ويمكن أن يساعدوه في النهاية في تحديد ما إذا كان ‏الوقت قد حان للخروج من السباق.‏

وبعد يوم واحد من الأداء الكارثي لزوجها في المناظرة ‏الرئاسية الأولى، وقفت جيل بايدن أمام مانحين أثرياء في حفل ‏لجمع التبرعات في نيويورك وحاولت شرح ما شهدوه جميعاً. ‏وقالت لهم: "لن ندع 90 دقيقة تحدد السنوات الأربع التي ‏قضاها كرئيس". وأضافت: "عندما يسقط جو، ينهض من ‏جديد، وهذا ما نفعله اليوم".‏

وبحسب كتاب "السيدة الأولى" لكاتي روجرز، فإن بايدن ‏عزف عن الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2004، عندما ‏دخلت جيل بايدن الغرفة وهي ترتدي زياً كتبت عليه كلمة ‏‏«لا».‏

ومن المعروف أن بايدن تزوج جيل عام 1977 بعد خمس ‏سنوات من وفاة زوجته نيليا وابنتهما في حادث سيارة مؤلم، ‏بعد أن تقدم لها خمس مرات، قبل أن تقتنع وتوافق، وقد ‏حاولت بعد ذلك الحفاظ على عملها الأكاديمي كأستاذة جامعية ‏للغة الإنكليزية إلى جانب كونها السيدة الأولى في البيت ‏الأبيض.‏

أقوى امرأة في العالم

مع ضغوط نخب ديمقراطية على الرئيس بايدن من أجل دفعه ‏إلى الانسحاب من السباق الرئاسي، ظهر اسم السيدة الأولى ‏السابقة ميشيل أوباما كمرشحة رئاسية محتملة، باعتبارها ‏شخصية محبوبة وملهمة في المجتمع الأمريكي، وكان لها ‏دور كبير في نجاح زوجها باراك أوباما، سواء خلال حملته ‏الانتخابية أو خلال وجودهما في البيت الأبيض.‏

ولدت ميشيل أوباما سنة 1964 لعائلة فقيرة في شيكاغو، حيث ‏عاشت في نفس الغرفة مع شقيقها وشاركته في سرير بطابقين. ‏وتقول في مذكراتها إنها عندما كانت طفلة لم تكن تحلم بالبيت ‏الأبيض على الإطلاق، بل أرادت "منزلاً من طابقين به درج ‏وعربة بأربعة أبواب وكلب". وبعد المدرسة الثانوية، التحقت ‏بجامعة برينستون وحصلت على درجة البكالوريوس في ‏الآداب، ثم التحقت بكلية الحقوق بجامعة هارفارد، وهناك ‏التقت زوجها المستقبلي أوباما عندما أصبحت متدربة في ‏سيدلي أوستن.‏

وفي عام 2010، صنّفتها مجلة "فوربس" كأقوى امرأة في ‏العالم، لافتة إلى أن الأميركيين أحبوا السيدة الأولى وقتها أكثر ‏من زوجها الرئيس.‏

وثارت أنباء عن ترشح ميشيل للرئاسة في عام 2023، وذلك ‏رغم قولها في عام 2019، إن فرص ترشيحها كانت صفراً، ‏أما زوجها أوباما فقد علق على ذلك بروح الدعابة قائلاً: ‏‏"هناك ثلاثة ثوابت في الحياة: الموت، والضرائب، وعدم ‏ترشح ميشيل للرئاسة".‏

سيدة البيت الحديدية

أما هيلاري كلينتون والتي خاضت تجربة العمل السياسي ‏كاملة، سواء من خلال مناصبها الحزبية أو عملها كوزيرة ‏للخارجية وانتهاء بخوضها غمار سباق الانتخابات الرئاسية ‏أمام دونالد ترامب نفسه، والذي تمكن من هزيمتها، فقد ‏وُصفت خلال فترة وجودها إلى جوار زوجها الرئيس الأسبق ‏بيل كلينتون في البيت الأبيض بالسيدة "الحديدية".‏

وعندما كانت تلقب بـ"السيدة الأولى"، لم يجد زوجها الرئيس ‏كلينتون غضاضة في الاعتراف بدورها في رئاسته، معتبراً ‏أن أميركا عندما اختارته رئيساً لها اختارت معه رئيسة ثانية ‏وهي هيلاري مع فارق واحد، وهو أن أميركا تدفع راتب ‏رئيس واحد.‏

وتعود مصادر قوة هيلاري المولودة في عام 1947 إلى ‏شخصيتها ومواهبها الفطرية، فهي تنحدر من أسرة متوسطة ‏الحال تمكنت بذكائها ورغبتها في التحدي وإثبات نفسها كامرأة ‏قادرة على التفوق على أقوى الرجال، حيث برزت منذ البداية ‏كامرأة حديدية ترنو إلى أعلى المناصب. وانطلقت من دراسة ‏القانون بجامعة يال الأميركية. ومثل جيل، وعندما عرض بيل ‏كلينتون عليها الزواج رفضته أكثر من مرة، لأنها كانت تريد ‏التركيز على مستقبلها في واشنطن، ويقال إن كلينتون لم يمل ‏من تكرار عرضه.‏

زواج هيلاري رودهام من بيل كلينتون لم يلغ عقلها، فقد ‏استمرت في عملها كمحامية عندما كان يعمل بيل حاكماً لولاية ‏أركانساس، ويقول البعض إن راتبها في تلك المرحلة كان ‏يفوق راتب زوجها بأضعاف. وقد اختيرت في تلك الفترة ‏بوصفها واحدة من أفضل 100 محام على مستوى الولايات ‏المتحدة، كما أنها صبرت على نزوات زوجها العاطفية ‏المتكررة.‏

وقبل نهاية رئاسة بيل كلينتون رشحت هيلاري نفسها لعضوية ‏مجلس الشيوخ عن إحدى أهم الولايات الأميركية (نيويورك)، ‏وفازت بالمنصب مرتين متتاليتين. ونجحت في المرتين في ‏جمع تبرعات ضخمة، وفي إنفاق أموال سياسية هائلة للفوز.‏

وعندما دخلت هيلاري سباق الرئاسة عام 2008 حملت معها ‏جعبة مليئة بالأسلحة وموارد القوة السياسية الفتاكة، فهي ‏الأكثر جمعاً للتبرعات بين المرشحين الديمقراطيين، والأكثر ‏شهرة، والأكثر حظوظاً بالفوز في الانتخابات وفقاً ‏لاستطلاعات الرأي المختلفة. كما دخلت السباق بسنوات ‏خبرتها في البيت الأبيض، حيث يقال إنها زارت أكثر من ‏تسعين دولة عندما كانت سيدة أمريكا الأولى.‏

أما المعضلة التي ربما أدت لخسارات هيلاري الانتخابية، ‏سواء على مستوى الحزب أمام أوباما أو بعد ذلك، فيعود إلى ‏ما وصفه محللون بـ"القوة المفرطة"، فوجود بيل كلينتون ‏ومستشاريه وراءها جعلها تظهر كملكة على وشك أن تورث ‏عرش الجمهورية الأميركية، في الوقت الذي تولد لديها العديد ‏من الخصوم السياسيين بسبب قوتها.‏

إيفانكا لا ميلانيا

وفي الوقت الذي لم يظهر الدور الكبير لميلانيا ترامب كسيدة ‏أولى في البيت الأبيض، فقد أطلت الابنة المدللة إيفانكا ترامب ‏لتلعب دوراً كبيراً أثناء حملة ترشح والدها، وكذلك أثناء فترة ‏وجوده في البيت الأبيض، لكنها بعد أحداث اقتحام الكابيتول ‏قررت الابتعاد عن السياسة.‏

ويشير كتاب "السيدة الأولى" إلى خوض ميلانيا وإيفانكا ‏‏"صراعاً داخلياً على السلطة" خلال السنوات الأربع لشغل ‏دور السيدة الأولى، وهو الدور الذي حاولت إيفانكا القيام به ‏عندما لم تنتقل ميلانيا على الفور إلى البيت الأبيض في بداية ‏ولاية دونالد ترامب. ويوضح أن الابنة الكبرى كانت لديها ‏خطط لإلغاء منصب السيدة الأولى بشكل أو بآخر بالسيطرة ‏على مقرها، "لخدمة العائلة الأولى بأكملها، وليس فقط السيدة ‏الأولى".‏

ودفع الرئيس ترامب إيفانكا لتولي هذا الدور إلى جانب ‏ميلانيا، وأخبر المراسلين في وقت مبكر من فترة ولايته أن ‏ابنته "ستساعدها وتعمل معها" أثناء قيامها بواجباتها كسيدة ‏أولى. لكن ميلانيا بدأت معركة مع ابنة زوجها التي أطلقت ‏عليها اسم "الأميرة"، فيما ساد الشقاق بين الثنائي على الرغم ‏من عملهما بشكل وثيق مع الرئيس ترامب، حيث عملت ‏إيفانكا كمستشارة بدون راتب.‏

بريجيت كلمة السر

وبعيداً عن الولايات المتحدة، فإنه لا تكاد أخبار سيدة فرنسا ‏الأولى بريجيت ماكرون، تتوارى عن الأنظار، منذ انفصالها ‏عن زوجها ووالد أطفالها الأربعة لترتبط بماكرون الذي كان ‏يصغرها بربع قرن، ثم تتزوّجه وتسانده في معركته للرئاسة ‏وتدخل معه "الإليزيه» لتصبح سيدة فرنسا الأولى.‏

ورغم زواجهما قبل 15 عاماً، فإن علاقتهما تعود إلى ‏المدرسة الثانوية، حيث كان تلميذها وقتها وعمره 15 عاماً، ثم ‏ظلا على اتصال حتى التحق ماكرون بالكلية.‏

وعن دورها في حياته يقول ماكرون إنه مدين لها بالكثير ‏وعلى الدوام، حين قال في إحدى خطاباته: "أنا مدين لها ‏بالكثير، لأنها ساهمت فيما أنا الآن عليه".‏

أكشاتا سوناك

شهدت بريطانيا العديد من زوجات رؤساء الوزراء ذوي ‏الدور المؤثر، انتهاء بأكشاتا مورتي، وهي ابنة الملياردير ‏الهندي نارايانا مورتي، أحد أشهر رجال الأعمال في البلاد ‏والذي يلقب ببيل غيتس الهند، وقد كان لها دور كبير حتى قبل ‏وصول زوجها إلى المنصب الكبير.‏

مورتي، وهي وريثة لثروة تقدر بالمليارات، التحقت بكلية ‏كليرمونت ماكينا الليبرالية الخاصة في كاليفورنيا لدراسة ‏الاقتصاد واللغة الفرنسية، ثم حصلت على دبلوم الدراسات ‏العليا في مجال الأزياء قبل أن تعمل في شركتي "ديلويت" ‏و"يونيليفر"، وحصلت على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة ‏ستانفورد.‏

كانت الجامعة هي المكان الذي قابلت فيه سوناك، وتزوجا في ‏عام 2009 وأنجبا ابنتين. ويقال إنها السبب الرئيسي في الثراء ‏الذي أصبح عليه زوجها حيث عملا معاً في الولايات المتحدة، ‏ودفعت الثروة الهائلة للزوجين البعض إلى التساؤل عما إذا ‏كان سوناك بعيداً عن الناس العاديين، لا سيما خلال أزمة ‏غلاء المعيشة.‏

ولم تسعَ مورتي لأن تكون في دائرة الضوء، لكن صعود ‏زوجها إلى أعلى منصب في السياسة البريطانية وضعها في ‏دائرة التدقيق، وخاصة ملفهما الضريبي الذي كاد يطيح ‏بمستقبل زوجها السياسي قبل تولي المنصب.‏

وفي الماضي، ظل بعض أزواج رؤساء الوزراء، بما في ذلك ‏زوج تيريزا ماي، فيليب ماي، بعيداً عن الأنظار، في حين ‏اجتذب آخرون، مثل محامية حقوق الإنسان شيري بلير، التي ‏واصلت عملها بعد أن أصبح زوجها توني رئيسا للوزراء، ‏مزيداً من الاهتمام. وكثيراً ما تتصدر شيري بلير عناوين ‏الصحف بسبب أعمالها الخيرية وعقود الكتب.‏

شقيقة كيم وابنته

وبتوسيع الدائرة، فإن كيم يو جونغ الشقيقة الصغرى لزعيم ‏كوريا الشمالية كيم جونغ أون، أصبحت صاحبة دور نافذ، ‏ينتقل جزئياً في الوقت الحالي إلى ابنته الكبرى. وفي عام ‏‏2014، أعلنت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية، ‏تولي كيم يو جونغ، منصب نائبة مدير إدارة الدعاية في حزب ‏العمال الكوري، وفي غضون عام أصبحت الرئيسة الفعلية ‏لتلك الوكالة. وكان والدها يشغل نفس المنصب في عهد والده، ‏كيم إيل سونغ. ولكن من غير المعتاد بالنسبة لامرأة، حتى لو ‏كانت عضواً في عائلة كيم، أن تصل إلى مثل هذه المناصب ‏العليا داخل النظام الكوري الشمالي.‏

ويُعتقد على نطاق واسع أنها من بين أقوى الشخصيات في ‏الجهاز السياسي لكوريا الشمالية، وفقاً لموقع الموسوعة ‏البريطانية "بريتانيكا". وعلى الرغم من أنها كانت تتمتع بنفوذ ‏كبير داخل النظام الكوري الشمالي، فإن كيم يو جونغ ظلت ‏غير معروفة نسبياً للعالم الخارجي. لكن ذلك تغير في 2018، ‏عندما حضرت هي ومجموعة من المسؤولين الكوريين ‏الشماليين اجتماع الألعاب الأولمبية الشتوية 2018 في بيونغ ‏يانغ.‏

وبات يُنظر إلى كيم يو جونغ باعتبارها أداة غير عادية، وغير ‏معتادة، من أدوات "القوة الناعمة" لكوريا الشمالية. ومنذ ذلك ‏الحين، شاركت جونغ في العديد من الجلسات السياسية على ‏المستوى الرفيع، وجلست في المنصات الرئاسية، حتى باتت ‏توصف بأنها أحد أهم المؤثرين بصنع القرار في البلاد. كما ‏أصبحت تدلي بتصريحات قوية ضد الدول التي تصنف ‏‏"معادية"، وقد ظهرت مع شقيقها عدة مرات في زيارات ‏خارجية محدودة.‏

لكن مؤخراً تم تسمية جو آي ابنة الزعيم كيم جونغ أون ‏المراهقة بـ"مرشدة عظمى"، وهو مصطلح أكد محللون أنه ‏مخصّص عادة لكبار القادة، ويؤشر إلى أنها قد تخلف والدها ‏في المستقبل، وقد ظهرت معه خلال عدة فعاليات رسمية ‏وزيارات لمواقع عسكرية حساسة.‏

أولينا زيلينسكي

لم يعرف عن أولينا زيلينسكي، زوجة الرئيس الأوكراني ‏نشاطاً سياسياً واضحاً بالقدر الذي أصبحت عليه قبل بداية ‏الحرب في أوكرانيا في شتاء 2022، لكن الحرب فرضت ‏عليها واقعاً جديداً.‏

وأصبحت الكاتبة السابقة، وجهاً مألوفاً في سياسة بلادها، تقوم ‏بزيارات رسمية لدول عدة، وتمثل بلادها في فعاليات، وتعقد ‏مباحثات سياسية لحشد الدعم، نيابة عن زوجها.‏

ومن بين أنشطتها السياسية الواضحة، قيامها بزيارة رسمية ‏لصربيا المعروفة بقربها من الكرملين، وأجرت مباحثات ‏للحصول على تأييد بلغراد، بل انتزعت بياناً ينص على تأييد ‏الأخيرة للسلامة الإقليمية لبلادها.‏

ويبدو أن القائمة تطول حول النساء اللاتي لعبن أدواراً قوية ‏في القصور الرئاسية عالمياً، ورغم أن كواليس هذه الأدوار لا ‏تظهر علناً، فإن ما يصل إلى وسائل الإعلام منها، يكشف أنهن ‏بالفعل مؤثرات في صنع السياسة، لدرجة قول بعض التقارير ‏إنهن يحكمن من وراء ستار.‏

يقرأون الآن