السويداء أمام

منذ انطلاقة الحراك السلمي قبل قرابة العام في السويداء السورية لم يترك مرهج الجرماني ساحة التجمع الخاصة بالمحتجين والمعروفة باسم "الكرامة"، ودائما ما كان يعبّر عن مواقف تؤكد على مطالب الناس بإسقاط النظام السوري ورحيل رئيسه، وتطبيق القرارات الأممية الخاصة بالحل في البلاد.

وكان يظهر تارة وهو يخاطب جموع المحتجين داعيا إلى مواصلة ما بدأوه ضد النظام، وفي مشاهد أخرى وثقتها فيديوهات كان عاري الصدر ويردد عبارات مناهضة لـ"حزب البعث" ويتحدى إطلاق النار على المتظاهرين من قبل قوات النظام في المحافظة.

ورغم أنه كان قائدا لفصيل يعرف باسم "لواء الجبل" لم تَحرِف حالة العسكرة التي أحاطت بشخصيته سلوكه السلمي الذي التزم به في "ساحة الكرامة" وأكد عليه قبل يوم واحد من حادثة اغتياله برصاصة "صامتة"، ليلة الأربعاء.

وبحسب شبكات إخبارية وتقرير من الطب الشرعي خرجت الرصاصة من سلاح كاتم للصوت، ومن بعد يتراوح بين مترين إلى ثلاثة أمتار، قبل أن تستقر في جسد الجرماني وهو على فراش النوم داخل منزله.

وبينما لم تعرف الجهة التي نفذت عملية الاغتيال حتى الآن حمّل ناشطون وصحفيون من السويداء السورية المسؤولية للحكومة السورية.

 من هو مرهج الجرماني؟

هزت حادثة اغتيال استهدفت قائد فصيل محلي محافظة السويداء السورية صباح الأربعاء، وتفيد التحقيقات الأولية بإقدام مجهولين على تنفيذها داخل منزله وباستخدام سلاح كاتم صوت.

وتعيش السويداء حالة كبيرة من الصدمة منذ لحظة الكشف عن اغتيال الجرماني، كما ان الحادثة تعتبر الأكبر والأشد صدمة منذ عام 2015، عندما اغتيل الشيخ وحيد البلعوس أحد رجال دين الطائفة الدرزية المعارضين، بسيارة ملغمة.

ونشرت حركة "رجال الكرامة" أبرز وأكبر فصيل محلي في السويداء بيانا عبر "فيس بوك" نعت فيه الجرماني، وقالت إنه سيدفن صباح الخميس في قرية أم الزيتون.

وبعدما تقدمت بالعزاء لعائلته، تابع بيانها أن "أبو غيث استشهد غدرا على أيدي خفافيش الظلام، وفي جريمة اغتيال تشكل منعطفا خطيرا للسويداء".

واعتبرت الحركة أن الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال "تسعى لجر السويداء إلى مستنقع الدم ودوامة العنف".

وأضافت أن "هذا التحول الخطير يستدعي وقوف كل صاحب كرامة وكل أبناء الجبل باختلاف توجهاتهم وكل المرجعيات الدينية والاجتماعية عند مسؤولياتهم".

تاريخ من النضال

ومنذ اندلاع الحراك السلمي في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، كان قد اتبع سياسة ابتعد بموجبها عن إصدار أي موقف سلبي أو إيجابي حيال ما ينادى ضده من هتافات وشعارات.

وخلال تصدره الحراك السلمي في السويداء وقبل ذلك بسنوات قاد الجرماني فصيلا محليا مسلحا معروفا باسم "لواء الجبل".

وشارك الفصيل "في التصدي للتنظيمات المتطرفة التي هاجمت السويداء عدة مرات بعد عام 2014"، وفي المواجهات ضد مجموعات مدعومة من الأجهزة الأمنية، كما يوضح مدير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف.

ويقول إن "الخصم الأول للجرماني بحسب المقربين منه هو النظام الأمني، الذي شن موجة تحريض ضده وسعى إلى تشويه لسمعته، طيلة الأشهر الماضية".

وقبل يومين ووفقا لمصادر اعلامية أقدم عناصر الأمن والشرطة على إطلاق النار في الهواء لترهيب المتظاهرين وأصابوا أحد المارة.

ويعتقد أن "ما عجل في عملية التنفيذ هو اكتشافه (الجرماني) لشبكة مرتبطة بالأمن مؤخرا تقوم بنشر البلبلة وتشويه صورة عائلات الجبل".

"أكبر من اغتيال شخصية"

وحتى الآن لم تنقطع الوقفات والمظاهرات في "ساحة الكرامة" وسط السويداء، رغم أن النظام لم يستجب لأية مطالب.

وحمل متظاهرون صباح الأربعاء صورا للجرماني، واستنكروا حادثة اغتياله.

كما وثق تسجيل مصور لأحد رجال الدين الدروز يدعى الشيخ رزق وهو يهاجم النظام السوري ويحمله مسؤولية مقتل قائد "لواء الجبل".

وقال رزق أمام عدد من المحتجين في "ساحة الكرامة": "هذا أسلوب النظام.. النظام لا يمتلك إلا أسلوب العسكرة والمكائد والدسائس. يملك لغة القتل والتهجير وإلغاء الآخر".

وأضاف مستدركا: "رسالتنا من ساحة الكرامة موجهة للنظام اللعين: لن تستطيع أن تجرونا لساحتكم وتنتزعوا سلميتنا. سننتصر بغصن الزيتون وباقات الورود".

الباحث والصحفي، مازن عزي من جهته شارك منشورا عبر "فيس بوك"، وافتتحه لحديث للشيخ حكمت الهجري المؤيد للحراك السلمي، إذ قال في بداية الحراك: "نحنا بالليل بنسكر بواب بيوتنا وبنفوت بنام، بس الشر برا ما بينام".

وتابع عزي: "الشر اغتال اليوم مرهج الجرماني، قائد لواء الجبل، بتخته وعلى فراشه. الشر جبان. الشر عم بيحاول يخترق السويداء، عبر أدواته الأمنية والإعلامية، وراح ينجح بكثير محلات، وراح يقتل ويشوه ويضرب ويغتال، ويفتت الناس ويألبهم على بعض".

الكاتب والصحفي أشار أيضا إلى "مخطط للشر لإحداث حرب أهلية في المحافظة بين أهل البلد".

ووجه نداءا لأهالي المحافظة بقوله: "أهل السويداء لازم يعرفوا أنو هاي معركة مصير ووجود إلهم، كطائفة وجماعة، وكبشر. لازم الناس تحمي حالها، وتحكم حالها، وتتعلم كيف تدير خلافاتها، وتوصل لحلول مشتركة، وتنفض عنها جثة هالنظام المتعفن".

وتعتبر السويداء واحدة من بين المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري منذ سنوات، وسبق وأن شهدت مظاهرات سلمية ضد الأسد لكنها لم تصل إلى النقطة التي هي عليها الآن.

وحتى الآن لا تعرف النقطة التي سيصل إليها الحراك الشعبي فيها، ولاسيما في ظل غياب أي تعليق أو تعاطي جدي من جانب النظام، إن كان بالسلب أو الإيجاب.

ويحظى الحراك السلمي منذ أشهر وحتى الآن بدعم من الشيخ الهجري والشيخ "أبو وائل الحناوي".

ويشارك فيه إلى جانب الشبان شريحة واسعة من النساء، وفئات مختلفة من السكان، من فلاحين وموظفين ومدرسين وغيرهم.  

يقرأون الآن