تزداد وتتكثف في خلال هذه الساعات، بشكل محموم، المنافسة وتبادل الإشارات بين التوجه نحو الحرب الشاملة أو الإبقاء على حرب الاستنزاف والمشاغلة بين لبنان وإسرائيل.
وبطبيعة الحال، فإن السؤال الذي لا يزال يقض مضاجع أغلب الأطراف، هو: هل ستتوسع الحرب في لبنان وعلى لبنان، بين إسرائيل وحزب الله، أم أنها ستبقى تحت مستوى سقف الانضباط الحالي، من دون تحطيم ما يسمى قواعد الاشتباك المفترضة، التي لم تعد تُعرف حدودها ومدياتها؟
الجميع يعرف أن زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى الوايات المتحدة هي زيارة أساسية ومفصلية في هذا التوقيت، تلعب دوراً أساسياً في تحديد وجهة ومحتوى المرحلة المقبلة في الحرب الدائرة في المنطقة. هل هي ستتوجه نحو التوسع أم نحو الانضباط والاحتواء والإحاطة، والجمود في مكان من الأمكنة وفي حدود معينة؟
بطبيعة الحال، ليس كلام نتنياهو ما يعطي الجواب، إذا ما كانت الحرب ستتسع أم لا. بل الخطط التي يحملها معه، والحسابات التي يقيمها وسيقيمها، والتوجهات وحقيقة القرار الأميركي في هذه الاوقات. هل هناك توجه للسماح له بالحرب، كما يريد هو وبعض الساسة والأجنحة المتطرفة في إسرائيل، أم أن الأمر سيترك للدبلوماسية؟
نتنياهو وحكومته بين خيارات ليست كلها مريحة. أولها الموافقة على صفقة إنهاء الحرب وتبادل الأسرى، التي سبق أن اقترحها بايدن ووافقت عليها حماس. وهنا يكون كمن أعطى ورقة دعم للديمقراطيين في الحملة الانتخابية الحالية. وبذلك قد يمهد لانفراط حكومته بمتطرفيها. وقد يخاطر بإغضاب الجمهوريين. أو إطالة الحرب كما هي بانتظار عودة ترامب، غير المعروف موقفه بشكل نهائي من الحرب واستمرارها، وهو الذي تحدث مؤخراً عن ضرورة إنهاء الحرب واستعادة الأسرى. أو المغامرة بالخروج إلى حرب واسعة من دون تغطية أو موافقة أميركية.
ولأن زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، مفصلية وأساسية، فإن حزب الله أراد كما يبدو، استكمال السير في تبادل لعبة الابتزاز والتشويق والتهديد، وكشف مع توجه نتنياهو نحو أميركا، عن شريط جديد قام بتصويره عبر مسيّرات متطورة، لمشاهد من فوق قاعدة رمات ديفيد الجوية الإسرائيلية، والتي يؤكد فيها حسب إعلامه الحربي، أنها صُوّرت قبل ساعات من عرضها.
الحزب كما هو ظاهر، أراد اللعب على الرمزيات المقدسة، ومخاطبة مخيال الجماهير المساندة والمتابعة للأخبار، في هذه العملية الإعلامية الدعائية السياسية المواكبة للحرب. إذ أن طائر الهدهد في التراث الإسلامي والعربي، لديه رمزيات كبيرة وكثيرة ومهمة، أبرزها الصدق والدقة ووضوح الرسائل.
والمعلوم أن الهدهد قد ذُكر مرتين في سورة النمل في القرآن الكريم. ويوصف في القرآن الدور المهم الذي قام به الهدهد لنقل الرسائل بين سليمان وملكة سبأ.
مما يعني أن استخدام إشارة طائر الهدهد رمزيةٌ يتقنها الحزب جيداً في إطار التحشيد والتجييش والضغط وكسب التأييد لدى العامة والخاصة.
في المقابل، فإن إسرائيل تعد العدة لتحقيق مصالحها وأهدافها. وإذا كان نتنياهو قد قال في خطابه أمام الكونغرس إنه يفضل الطرق الدبلوماسية، فهذا لا يعني أنه يعلن ما يريد فعلاً. بل قد يكون كلامه في واشنطن جانباً مما يريد أو الجزء الذي يريد إعلانه، تحضيراً لأمر آخر.
وما قاله نتنياهو أيضاً، هو جزء من عملية إعلامية ترويجية وتسويقية مقابلة، لما يريد أن يصل إليه، وأبرزها وأولها ضرب وإصابة النتيجة التي وصلت إليها المحكمة الجنائية الدولية من إدانة إسرائيل في قراراتها وتوجهاتها، كما التصويب على إيران وأذرعها وامتداداتها وتوجهاتها في المنطقة.
من هنا، فإن خطاب نتنياهو، لا يفصح إلا عن القليل القليل من توجهات الحكومة الإسرائيلية. أما كيف ستكون التوجهات والقرار النهائي، فهذا أمر سيظهر بعد الزيارة، وبما يخدم مصالح الطرفين أميركا وإسرائيل.
ولهذه الأسباب، فإن رسالة حزب الله أتت في الوقت المناسب، ونتنياهو يحط في واشنطن. وهو تقصد إعلان ذلك. بمعنى أن الحزب يريد أن يمارس لعبة التوتير والضغط، تماماً كما تمارس إسرائيل اللعبة نفسها عليه وعلى إيران من خلفه.
وهناك من يعتقد أن قصف ميناء الحديدة في اليمن من قبل الطيران الإسرائيلي، هو عبارة عن رسالة أميركية إسرائيلية لإيران، وليس لأي طرف آخر، مفادها، أن من يصل إلى الحديدة قادر على الوصول إلى طهران. خصوصاً أن قصف الحديدة ما كان ليتم لو لم تكن هناك موافقة وإعانة للطائرات الإسرائيلية عبر التزود بالوقود واستخدام طائرات الجيل الخامس F35))، وبعد أن حصلت على مساعدات إيطالية وأميركية على أكثر من مستوى.
في قصص المخيال الشعبي العربي والإسلامي عن الهدهد والغراب، أن نزاعاً نشب بينهما على بركة ماء للشرب والاغتسال، وكل واحد منهما ادعى أنها ملك له. فاختصما وتشاجرا وبعد ذلك احتكما إلى قاضي المياه. وبعد محاججة طويلة وفشل الاثنين في تقديم برهان لمن تكون البركة، حكم قاضي المياه للهدهد ببركة المياه، والسبب أن التجارب كانت قد أثبتت أن الهدد طوال حياته كان صادقاً ووفياً، فربح الرهان عليه من قبل القاضي.
ترى قاضي المياه الأميركي، لمن سيحكم هذه المرة، للهدهد الذي طار فوق حيفا وقواعدها، أم للغراب الذي وصل أميركا وبدأ يتنقل بين مقراتها؟