إسرائيل وحدود استخدام القوة في الإقليم

يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو دائماً عن قدرة إسرائيل على خوض حروب على جبهات عدة، هذه الجبهات تشكل مصدر خطر كبير قادم، ضمن واقع استراتيجي وأمني يشير إلى عدم قدرة إسرائيل على الحرب إلا على جبهتين مع التعثر الراهن في التعامل مع الخطر المفاجئ مثلما جرى مؤخراً في «مجدل شمس» وإمكانية الرد حيث التركيز على جبهتي غزة والشمال، وتتعثر في مواجهة باقي الجبهات برغم عدم وجود جبهة لجيش نظامي كبير يمكن أن يواجه الحالة الإسرائيلية، ومنها الجبهة المصرية المجاورة.

والإشكالية التي تواجه إسرائيل تتمثل في كيفية مواجهة الخطر القريب والبعيد في المديين المتوسط وطويل الأجل، الأمر الذي يتطلب المواجهة في مساحات ممتدة والوصول إلى منابع التهديدات والتعامل معها مثلما يجري «حزب الله» دورياً الأمر الذي سيفرض القدرة على الحركة وفرض القدرات الحقيقية في الاشتباك بعيداً عن القواعد المعتادة، والتي تتحدث عنها إسرائيل حيث تتغير الضوابط، وتتباين الإمكانيات التي تتعامل معها إسرائيل في ظل حرب الصواريخ والمسيرات والمواجهات غير التقليدية التي تتطلب قدرات متميزة ودفاعات متجددة، حيث تملك إسرائيل منظومات دفاعية متعددة، والتي يمكن أن توفر لإسرائيل قدرات المجابهة، وهو ما تعمل عليه إسرائيل في صد الهجمات، أو التعامل الحذر في أي مسرح عمليات راهن.

وبرغم ذلك يرى بعض الجمهور الإسرائيلي أن إسرائيل بكل ما تملكه من قدرات لا تضمن توفير الأمن والأمان، وفرض الاستقرار بل فشلت حتى الآن في استعادة المحتجزين وبات الجمهور الإسرائيلي يعيش دورياً تحت الأرض برغم ما يملكه من قدرات وإمكانيات فوق تقليدية كبيرة ومهمة وبما يمكن أن يحمي سماوات إسرائيل نظرياً، خاصة مع تحويل بعض المخصصات من الإنفاق على التعليم والصحة لمجالات الأمن والأمور العسكرية، وفي النهاية ما تزال إسرائيل تواجه مخاطر حقيقية، الأمر الذي يتطلب مراجعة للمشهد الأمني بأكمله.

إسرائيل برغم ما تملكه من قدرات باتت تعاني من تحديات جسيمة، إذ أن القدرات الخشنة لم يعد لها تأثير في محيطها الإقليمي الكبير، ولهذا يتم طرح سؤال عن جدوى السلاح النووي لدولة تحارب على جبهات عدة ولا تستطيع أن توفر أمن لمواطنيها، وأن بعض الدول المجاورة باتت لا تملك جيوشاً قوية، وباتت تواجه فصائل مسلحة تمتلك قدرات كبيرة في مجال الصواريخ والمسيرات المتطورة التي تمدها إيران، وقد وصلت بعضها إلى العمق الإسرائيلي بل وهددت مصالحها بعد إغلاق ميناء إيلات، وقد تغلق موانئ عسقلان وأشدود أيضاً مما يجعل إسرائيل دولة حبيسة، خاصة أن استهداف تل أبيب رسالة أولى لإسرائيل. ومن ثم، فان تعرض سماوات إسرائيل للخطر القريب والبعيد مستمر ما يتطلب قدرات جديدة وإمكانيات مختلفة يمكن أن تواجه ما يجري، لهذا بدأ العسكريون الكبار في هيئة الأركان حديثاً مباشراً عن ضروريات التغيير في نظرية الأمن القومي الراهن، وتبني تدشين نظرية جديدة تراعي المتغيرات التي تجري حول إسرائيل، وتتطلب التعامل معها بجدية بعد أن أصبحت قدرات إسرائيل كماً وكيفاً في حاجة حقيقية للتقييم السياسي والاستراتيجي الذي يجب التعامل معه بواقعية في ظل المخاطر المستجدة والتي تعبر عن نفسها في الوقت الراهن.

وبالتالي فإن الحل يكمن في الاتجاه إلى تبني مقاربات مختلفة تحمي إسرائيل، ولهذا يعكف علماء المجمع العسكري في تجريب أنظمة دفاعية مع تطوير ببرامج مشتركة مع الولايات المتحدة والانتقال تدريجياً إلى فكرة منظومات الليزر المتعددة وتطوير البرامج الخاصة بالأقمار الصناعية التي تتجاوز قدرات «أفق12»، الأمر الذي يؤكد أن إسرائيل ستتجه إلى اتباع استراتيجية جديدة لتأمين وجودها في الإقليم، وعدم الاستمرار في تبني مقاربات تقليدية، في ظل مخاوف من تمدد المخاطر، الأمر الذي يتطلب مراجعة سياستها الأمنية، والانتقال من رد الفعل إلى اتباع استراتيجية مواجهة وممكنة في إطار ما سيجري من تحديات ومخاطر حقيقية.

يمكن التأكيد إذاً على أن القوة الإسرائيلية في مجملها باتت غير قادرة على مواجهة ما يجري حولها من تحديات، وذلك رغم التطور المستمر في التسليح الإسرائيلي والاستعانة بالجانب الأميركي في تنمية الشراكة الاستراتيجية، ما قد ينقل رسالة مهمة بعدم القدرة على مواجهة ما يجري في ظل محاولات الوكلاء الإقليميين إنهاك القدرات الإسرائيلية وتهديد وجودها، ويؤكد على أن السيناريوهات الإسرائيلية في التعامل مع التهديدات تضيق بصورة كبيرة، ويتطلب مقاربات مستحدثة بالفعل وليس مجرد مواجهة تحدٍ هنا أو تهديد هناك، وهو ما يؤكد أن إسرائيل أمام جمهورها مطالبة بمراجعة استراتيجيات عدة لا تقتصر على تغيير رؤيتها لأمنها وأمن الإقليم فقط، بل مواجهة كل التحديات العاجلة التي تعلن عن نفسها، وتتطلب بالفعل مراجعات سياسية واستراتيجية كاملة في محيطها العربي والإقليمي مع استحداث أنماط جديدة في التعامل مع الخيارات الاستراتيجية والاستخباراتية وفق أية خيارات سياسية واردة.

يقرأون الآن