لم يكن هناك شك أبدا فى الحق الفلسطينى وجوهره ما قال به الرئيس عبد الناصر إن من لا يملك (بريطانيا) أعطت وعدا لمن لا يستحق (إسرائيل) أرضا يوجد فيها بالفعل الفلسطينيون. هى واحدة من عشرات القضايا غير العادلة التى زخر بها العالم الاستعمارى طوال قرنين. ولكن ما يحتاج بشدة إلى إجابة السؤال لماذا نجح الإسرائيليون فى لم شملهم العالمى فى دولة بينما لم ينجح الفلسطينيون رغم التضحيات الهائلة التى قدمها الشعب الفلسطينى ولا يزال يقدمها؟ الإجابة تبدأ بالطبع بمهارة وقدرات الدولة العبرية؛ والمساندة الهائلة التى حصلت عليها من القوى القائدة فى المجتمع الدولي. ولكن القصة لا تكتمل دون نظرة على فشل القيادات الفلسطينية فى إدارة قضية عادلة. الانقسام الذى بدأ عائليا بين عائلتى الحسينى والنشاشيبى فى الثلاثينيات من القرن الماضي؛ وما نجده سرطانيا ممتدا حتى الآن حتى أشفقت الصين على القضية من أهلها المنقسمين إلى 14 تنظيما اجتمعوا فى بكين.
لم يكن هناك فهم إطلاقا أن الانقسام الذى يمكن أن يكون طبيعيا سياسيا، ولكنه لا يكون كذلك إذا ما بات أيديولوجيا (ماركسيا وقوميا ودينيا وما بين هذا كله) ومسلحا ضد الرفاق أحيانا بما هو أكثر من الخصم. مثل ذلك لم يحدث فى الجزائر (جبهة التحرير الجزائرية) وفيتنام (جبهة التحرير الفيتنامية)؛ ولا جرى ذلك فى التجربة الأمريكية التى كانت منقسمة فى بدايتها بين 13 ولاية ولكنها التقت عند جورج واشنطن حتى انتصرت. ثم انقسمت مرة أخرى عند وضع الدستور حول قضية العبودية حتى اضطر "جون آدمز" الحقوقى الحر لقبول إدراج القضية فى الدستور حتى لا تنفصل ولايات ولا تقوم ولايات أخرى تحتوى على العبيد. كان قيام الدولة أهم من أى شيء آخر، وعندما مضت ستة عقود على قيام الدولة أقبل "إبراهام لينكولن" على الحرب الأهلية ليس فقط من أجل تحرير العبيد، وإنما كان الأهم الحفاظ على الدولة.