مع اقتراب اليوم من نهايته في النجف، يعود بائع الصحف فاضل علي إلى منزله بخفي حنين إذ لا تزال حقيبة الصحف المطبوعة التي يحملها ويدور بها في أنحاء مدينة الكوفة ممتلئة.
ومع اعتماد صناعة الأخبار بشكل كبير على المحتوى الرقمي والتكنولوجيا المتاحة للجماهير في جميع أنحاء العالم، يواجه بائعو الصحف الذين يعتمد دخلهم بالكامل على الصحافة المطبوعة صعوبات كبيرة ويضطرون إلى اللجوء إلى وسائل مختلفة للدخل.
وأوضح علي أنه في محافظة النجف بجنوب العراق، قبل بضع سنوات فقط، كان نحو 250 شخصا يكسبون رزقهم من بيع الصحف في الشوارع. وقال إن عددهم اليوم صار ثلاثة فقط، هو أحدهم. وأضاف أنهم متمسكون بالمهنة لكنهم يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وقال: "كان زمان قرارات وغير القرارات، تباع الجريدة وكان فيها أشياء جميلة. والموبايل دمر الجريدة، دمر جميع الصحف. هذه هي الصحف، ماذا نعمل؟ وتبقى كثير منها تلف (ترجع لا تباع). كنا سابقا 250 شخصا في النجف نبيع الجرائد، حاليا بقينا ثلاثة فقط. أنا في مدينة الكوفة، واثنان في النجف. شو نعمل؟ الجريدة لا تُباع عندنا. نضطر نبيعها لأصحاب الزجاج وللمسح ولأصحاب الصبغ. هذه حال الصحف".
وتراجع الصحافة المطبوعة الحاد واضح للبائعين ودور الطباعة والمستهلكين على حد سواء.
وقال رحمن عبد الجبار، وهو مدير مطبعة: "طبعا فرق أصبح شاسع. بالنسبة لعام 2003، أصبحت حريات إعلام بسبب تغير النظام، فأصبحت كثير عناوين صحف تصدر يوميا، وبكميات هائلة. تقريبا عام 2014 بدأت تقل هذه الكميات، أصبح تقشف، قلت كثير وكثير عناوين، اختفت واندثرت. (صارت) أزمة عالمية بسبب أن الإنترنت ظهر للناس، وأصبح قليل من الناس تتابع الصحف. بقت بعض العناوين محافظة، كم عنوان؟ ليس مثل السابق، فرق كبير عن السابق".
وقال نوار محي، وهو صاحب مكتبة وناشر، إن السرعة هي العامل المطلوب في تحديث الأخبار وإن ذلك صار مُتاحا خلال دقائق في جميع أنحاء العالم، مما يلغي الحاجة إلى الانتظار حتى نشر الصحيفة في صباح اليوم التالي.
وأضاف: "أنا كمتابع للأخبار لمختلف تفاصيلها وبمختلف أشكالها، لن أنتظر صحيفة لتصدر في اليوم الثاني حتى أعرف ما يعرفه البقية خلال دقائق وفي وقتها. المعلومة اليوم موجودة، تنتشر انتشارا نافذا، في الهشيم كما يقال، خلال لحظات في جميع أنحاء العالم. لذلك هذه أهم صفة أصبحت اليوم مرغوبة في العالم الحديث، صفة التحديث السريع للمعلومات. لذلك فقدت الصحيفة الورقية بريقها".
ويقول المُعلم المتقاعد محمد العبيدي، بينما يطالع جريدة ويحتسي القهوة بأحد مقاهي بغداد: "رغم تطور التكنولوجيا، نحن نجد راحة في قراءة الجريدة. راحة نفسية. لأنه نحن متعلقين بالماضي أكثر مما متعلقين بالحاضر هذا هو السبب".
وقال رفعت عبد الرزاق، وهو كاتب في جريدة المدى: "بلا شك أن التراجع الكبير بموضوع الصحافة الورقية كان تراجعا مذهلا، حتى أن كثيرا من الصحف، ليس في العراق وإنما في العالم العربي وفي العالم، قد أغلقت أبوابها وحلت الهيئة الإدارية وما إلى ذلك في هذه الصحف. وبعض الصحف تحولت إلكترونيا بشكل تام".
وأضاف: "الصحافة الورقية، كما قلت، في سنوات قليلة سوف تنتهي تماما. ولكن بعض الصحف حافظت على تقاليدها، وحافظت على هيبة جريدتها في استمرارها لحد هذا اليوم. وهناك عدد من الصحف الرئيسية في بغداد قد استمرت بالرغم من الإمكانيات الضعيفة وتراجع قضية الإعلانات التي كانت الممول الرئيسي للصحف الغير الحكومية. الصحافة الورقية تقهقرت كثيرا، ولكنها باقية تقاوم الزمن ولها من القراء الكثيرين".