تابع العرب بشغف المناظرة التي تمت بين ترامب وهاريس، والتي قالت الاستطلاعات أن هاريس تفوقت فيها على ترامب، مع أنه ليس من المؤكد أن من يتفوق في المناظرات التي تسبق الانتخابات يضمن السكن في البيت الأبيض.
متابعة العرب، واهتمامهم بمن سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة الأميركية، وكأن أحد المرشحين أفضل من الآخر في خدمة قضايانا، والتعامل مع أوضاع منطقتنا على نحو يبرر هذا الاهتمام، ولهذه التوقعات، وإن شئت لهذه الأوهام.
فأميركا سياساتها -كما هو معروف- لا تتغير بتغير الرؤساء، قد يكون هناك بعض التغير في التعاطي داخلياً، ولكن في السياسة الخارجية لا فرق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبين مرشح أي من الحزبين لقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يفيدنا للاصطفاف في التأييد لهذا المرشح عن ذاك، حتى وإن كان تأييداً شكلياً، لا يقدم ولا يؤخر، إلا في استغفالنا، وغيابنا عن أخذ الحذر من أميركا، من أي تصرف قد يؤذي دولنا وشعوبنا ومنطقتنا، فاز هذا أو ذاك.
موعد الانتخابات الأميركية أصبح قاب شهرين أو أدنى، ومحطات التلفزة العربية تتنافس في التفوق على من يغطي المناظرة بشكل أفضل، وحضرت لذلك فرقا وأجهزة نقل حي بأعلى جودة وإتقان، وحين يحل موعد الانتخابات ستكون الاستعدادات أكبر وأضخم.
دلوني على أي رئيس أميركي كان محسوباً على أي من الحزبين قاد أميركا إلى ما يرضينا، ويدافع عن حقوقنا كما يفعل مع إسرائيل، أو على الأقل أن يقف على الحياد مع القضايا الساخنة في منطقتنا، ولا ينحاز لما فيه الإضرار بنا.
في حرب اليمن والموقف الأميركي من الحوثيين، حرب السودان وتعاطيها مع الجيش والدعم السريع، وهناك العلاقة بين إيران ولبنان وسوريا والعراق والموقف منها، وفلسطين وجرائم إسرائيل، وليبيا وتعاملها مع الانقسامات والأحداث هناك، وما خفي أخطر وأعظم، فماذا فعلت أميركا وتفعل حتى يكون هذا التجييش الإعلامي للمناظرة، وكأننا أمام تغير حقيقي سيحدث، يخدمنا ويخدم قضايانا.
أميركا هي أميركا، بحزبيها، وبكل رؤسائها، وفي مجالسها النيابية، والتشريعية، التغيير في الشكل، في المظهر، أما السياسة، والسلوك، فهذا شأن آخر، لا تغيير، ولا تجديد، ولا مراجعة، ولا قفزاً على الحال المحال الانقلاب عليه.
إذاً تابعوا المناظرات، والاستطلاعات، ولاحقاً الانتخابات، وجهزوا لها كل الإمكانات الإعلامية المتطورة، لكن حذار أن تتوقعوا بأن هناك جديدا قد جد، وأن تغييراً سوف يتم، ويخدم قضايانا، وكونوا على يقين بأن من سيفوز لن يراجع السياسات العتيقة لأميركا، ولن يتراجع عن أيديولوجياتها التي تجذرت على مدى التاريخ، بما أغضبنا، وسوف يغضبنا، حتى مع كرمنا إعلامياً بالدعاية لانتخاباتهم.