سمو ولي العهد.. والشراكة مع واشنطن

لا مفر من متابعة زيارة سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد إلى واشنطن مفتتحاً لقاءاته حول الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والكويت، الواسعة الممرات والعميقة في الالتزامات والمنتعشة بالحوارات، وهي أول زيارة له كولي للعهد، ولا يحتاج للتذكير، فالملفات الكثيفة تضم قضايا شاملة كانت معه كرئيس للوزراء وبالطبع وفرت له الخبرة ملاحظات وانطباعات سيطرحها في واشنطن، وما يريحنا جميعا ليس فقط متابعته للموضوع، وإنما هضمه العميق لمعاني الشراكة ووعيه الحاد للضرورات التي تعزز صلابة الترابط بين البلدين..

فبإدراكه لواقع الإقليم، وما فيه من توترات، واحتمالات وقوع انفجارات وإدراكه لمسببات غياب الاستقرار في الإقليم كلها تشكل ضماناً لنيل هذا الملف ما يستحقه من مخاوف التهور، لا سيما أن المنطقة فيها زعامات متشربة بأيديولوجية النفوذ والتوسع، ومشحونة بغرور القدرة والفوز.

وبودي أن أشير إلى التواجد الأمني الأمريكي مشيداً بأبعاده في توطيد الاستقرار وحماية السيادة وضخ حقن الأمن والثقة في الداخل مع علو جدار الردع لاحتمالات الخارج، هذه رسالة جميع أبناء الكويت، تعبيرا عن دعمهم وارتياحهم لهذه الترتيبات..

كما أجد من اللائق التأكيد على المسار التجاري بين البلدين في إطار الشراكة، فمن أهم الآليات التي تعمق صلابة الشراكة الثنائية، التعاون في جميع المسارات التجارية، وتأكيد الترحيب الكويتي بالشركات الأمريكية المشهورة سواء في الإدارة أو في القدرة على الاتفاق في تنفيذ المشاريع، وإنجازها في الزمن المحدد لها، ولا داعي لأن أشير إلى دور التجارة في العلاقات بين الدول، ففي حالات كثيرة كانت العلاقات التجارية أسبق من العلاقات الدبلوماسية، وسجل التاريخ وبوضوح دور التجارة في تطوير العلاقات بين الدول في تبادلية التفاهم وتصعيد الثقة وزرع الكثير من الألفة.

ويحضرني النهج الذي كانت تتبناه معظم الدول في إعطاء المناقصات وأوامر الاستيراد إلى الدول التي يسعون لتحقيق تفاهم سياسي معها، أو لتحاشي خصومتها واستبعاد المواجهة السياسية والامنية معها، وهي دبلوماسية الاسترضاءات والإغراءات، وكان أبرز من مارسها في الجوار الصعلوك صدام حسين في علاقاته المرتبكة مع الولايات المتحدة وحتى خلال فترة الغزو.

ففي السادس من أغسطس 1990، بعد الغزو بأيام، استدعى صدام حسين القائم بأعمال السفارة الأمريكية المستر ولسن، وعرض عليه إمداد واشنطن بكل ما تريد من نفط واستثمار وأولويات في كل ما يستورده العراق وتحالف ثنائي يحمل النفوذ الأمريكي في بغداد إلى مستوى لا مثيل له، والمقصود ترويض الوقفة الامريكية وعرض نموذج لتحالف يخضع فيه العراق لحسابات المصالح الأمريكية، كل ذلك في إطار تصوراته بالحفاظ على الكويت مهما كان حجم الإذلال والتبعية.

كان جواب القائم بالأعمال نقل العرض إلى واشنطن، الأمر الذي لا شك زاد من تصميم الولايات المتحدة على تحرير الكويت، متأكدة من تعاطيها مع رئيس غير مؤتمن، لا حاضراً ولا مستقبلاً..

والحقيقة أن في علاقاتنا مع الشريكين الأمريكي والبريطاني، لابد أن نمارس الدبلوماسية تسخير الندرة لاستحقاقات الأمن والسيادة، فالتجاوب مع الشركات التابعة للبلدين، خاصة المؤهلة ذات التجارب الناجحة، هذه الشركات لها تواصلات سياسية واعتبارية مع رجال السياسة في مجلس الشيوخ ومجلس النواب وحريصة على الحفاظ على تميزاتها ومكانها في دبلوماسية واشنطن..

وهناك دور للاستثمار، فالكويت بارعة في هذا المجال، أسست تواجدها الاستثماري في لندن عام 1953، ولا زال المكتب فعلاً ومؤثراً، كما لعب مسار الاستثمار دوراً مؤثراً في حيوية العلاقات وفي تنوعاتها، المهم وضع الاستثمار ضمن الآليات المؤثرة التي تملكها الكويت.

وأتمنى أن يبقى سمو ولي العهد وقتاً يوفر له الذهاب إلى مجلس الشيوخ، حيث يستفيد في عرض مرئيات الكويت حول الشراكة الاستراتيجية وضرورة توسيع محتوياتها في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة والتعليم، والتعاون المعلوماتي، وغير ذلك، أتمنى أن نفتح تواصلاً مع مراكز الفكر التحليلي Think tank المنتشرة في واشنطن، ذات العلاقات المتنوعة مع الإدارة ومع المنظمات الأهلية وأحزاب السياسة ورجالاتها في المجالس التشريعية.

فالإخوان في مجلس التعاون شيدوا علاقات مع هذه المراكز وفق الاجتهادات، وأعتقد أن حاجتنا لعلاقات مع هذه المراكز أكثر إلحاحاً من غيرنا، فشرح واقع الكويت والتعريف بدبلوماسيتها وواقعها الداخلي ودستورها وتجمعات الهيئات الأهلية وحرية القول والصحافة، كلها رصيد جذاب في بقعة نادراً ما تسمح بحق التعبير وتسيطر على أجوائها أجواء الاضطراب والقلق.

وعندنا يقين بأن سمو ولي العهد مهتم بتواصل الحوارات مع واشنطن والتي ليست محصورة في وفود رسمية سياسية، وإنما الاستفادة من تجمعات المجتمع المدني الكويتي لزيارات دورية تتنوع من غرف التجارة إلى مجموعات من الأكاديميين ورجال الثقافة والفنون الكويتية، يتواصلون مع مختلف المجالس الفكرية والانسانية والاجتماعية، تحاشياً للفراغ في التواصل الثنائي.

هناك ثقة بين دول النفط الخليجية والولايات المتحدة خرجت من إدراك جماعي حول حساسية الطاقة للأمن العالمي أفرزتها الاتصالات خلال الدورة الاستثنائية بعد حظر النفط في عام 1973، وتصاعد المخاوف من مواجهات ولجوء للقوة يأتي من صعوبة التفاهم، كل ذلك أفرز جدية لتفهم حقوق المستهلكين والمنتجين يتميز بالإصرار على أن الطاقة سلعة جوهرية وأساسية لأمن الأسرة العالمية، يتحمل تأمينها الاتفاق بين الطرفين ليحقق فيه كل طرف ما يريد، يتميز باحترام استقلال الدول المنتجة وحاجة الدول المستهلكة، ومنها تولدت دبلوماسية نفطية خليجية وقائية حصنت الطاقة من توظيفات سياسية وطوقت دعوات التطرف من الجانبين، ولا شك بأن الدور الأكبر في هذا التفاهم صدر من قناعة خليجية مدعومة من المنتجين المعتدلين.

وما يهمنا في هذا الموضوع تأكيد استمرار الحفاظ على هذا النهج المؤمن للاستقرار العالمي.

ويهمنا أيضاً أن يستمر التواجد السياسي الأمريكي في الكويت، بحيث لا يتوافر فراغ يخرج من جفاف التواصل وندرة في الحوار، مع ضرورة أن تنشغل الجسور بين البلدين في بحث الجديد في الفضاء السياسي العالمي، وتأثيره على الأمن الإقليمي، بما في ذلك تقلبات المناخ، وتناقص المخزون الغذائي، هذه قضايا انسانية تشغل جميع سكان العالم وتشكل تهديداً للحياة المستقبلية.

وأتوقع أن يوفر سمو ولي العهد وقتاً لزيارة البنتاغون – وزارة الدفاع الأمريكية - ليستمع إلى تجهيزات الولايات المتحدة لإبعاد المخاطر عن الخليج، كما آمل أن تكون ضمن البرنامج زيارة إلى إدارة المخابرات الأمريكية CIA، لأن المسؤول فيها ويليام بيريز W.BURNS الخبير والداعم لقضايا العرب وفلسطين، وهو أبرز الخبراء في شؤون المنطقة.

وأنهي هذه اللائحة من التمنيات بضرورة أن يتحدث سمو ولي العهد إلى العالم عبر نادي الصحافة الذي تذاع منه خطب كبار الزوار مباشرة وتنقلها منصة النادي إلى الخارج.

القبس

يقرأون الآن