أرض الصومال وتهديد الأمن القومي العربي

أرض الصومال هى منطقة شبه صحراوية تقع على ساحل خليج عدن، كانت محمية بريطانية ثم حصلت على استقلالها فى عام 1960 واندمجت مع الصومال، التى كانت تحتلها إيطاليا، لتكوِّنا معاً جمهورية الصومال، ثم انفصلت وأعلنت استقلالها فى عام 1991 عقب الإطاحة بالرئيس الصومالى السابق سياد برى.

وتضم أرض الصومال ثلاث عشائر أساسية وهى "دير" فى المنطقة الغربية، و"إسحاق" فى المنطقة الوسطى، و"دارود" فى المنطقة الشرقية، وتُعتبر عشيرة إسحاق هى الأكبر وتمتلك معظم السلطة السياسية، وتنقسم هذه العشائر الثلاث بدورها إلى عدة عشائر فرعية.

ولعل من أهمها "عيسى" و"جادبورسى" داخل عشيرة "دير"، و"هبر أوال"، و"حبر جيكلو"، و"قرحجى" (مقسمة إلى "إيداجالى" و"حبر يونس")، و"حبار حبوشو"، و"عراب داخل" داخل عشيرة "إسحاق"، فضلاً عن "ورسانجلى" و"دلباهانت" داخل عشيرة "دارود"، وقد أفرزت هذه التكوينية العشائرية حالة من الانقسامات.

واستمرت أرض الصومال فى فرض حكمها الذاتى فى تحد صريح لمقديشو، وجرت الجولة الأخيرة من المحادثات بينهما الصيف الماضى فى جيبوتى، لكنها سرعان ما فشلت، حيث لا يلقى الساسة الذين يحكمون هذا الجزء من دولة الصومال بالاً لما يجرى فى كل الإقليم، ولا حتى بالاً للشعب الذى يقع تحت سيادتهم.

وهناك بالفعل اضطرابات قبلية كثيرة ترفض الانفصال عن دولة الصومال والسياسة التى تتبعها هرجيسا مع إثيوبيا، بدأت عام 2023 مع إعلان بعض المقاطعات، وعلى رأسها مقاطعة "سول"، رفضها الانضمام إلى أرض الصومال فى أوائل فبراير 2023، إذ أكدت لجنة مؤلفة من "33" عضواً و"13" شيخاً تقليدياً ممثلين لكافة العشائر الفرعية فى مدينة "لاسعانود" -العاصمة الإدارية للمقاطعة- رفضها الانضمام إلى أرض الصومال ورغبتها فى تشكيل ولاية فيدرالية تابعة للصومال.

كما تعهّدت بدعم وحدة جمهورية الصومال الفيدرالية وسلامة أراضيها، مطالبة سلطات أرض الصومال بسحب قواتها من المدينة، وذلك احتجاجاً على فشل القوات الأمنية فى تحقيق الاستقرار والأمن وانتشار سلسلة الاغتيالات التى استهدفت عدداً من المعارضين ورجال أعمال ومسئولين بارزين، ولعل من أبرزها اغتيال "عبدالفتاح عبدالله عبدى"، وهو سياسى وعضو فى حزب "وادانى" المعارض فى 26 ديسمبر 2022، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات مناهضة للحكومة والتى تطورت فيما بعد إلى نزاع مسلح بعد مقتل الحارس الشخصى لرجل أعمال محلى فى 3 يناير 2023.

وهناك اضطرابات مستمرة حتى الآن بين أرض الصومال وإقليم بونتلاند على تبعية مدينة "لاسعانود"، وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق الهدنة الموقع فى 10 فبراير2023، فإن ذلك لم يحُل دون استمرار الاشتباكات بين ميليشيات القبائل الموالية للحكومة الصومالية وقوات أرض الصومال فى مدينة "لاسعانود".

ويأتى ذلك نتيجة تبادل الاتهامات بانتهاك الاتفاق بين كلا الجانبين، حيث أعلنت سلطات إقليم أرض الصومال أن ميليشيات القبائل الموالية للحكومة الصومالية فى مدينة "لاسعانود" قد شنت هجوماً عسكرياً كبيراً على قواعد القوات المسلحة التابعة لها، فى حين اتهمت هذه الميليشيات سلطات أرض الصومال بشن هجوم عسكرى جديد وإطلاق النار على المتظاهرين بدعم من وحدة الاستجابة السريعة (RRU) الممولة من قِبل بريطانيا، والتى تُعد جزءاً من جهاز الشرطة، وتم إنشاؤها فى عام 2012 كقوة لمكافحة الإرهاب، وتُوجَّه لها دائماً اتهامات بشأن ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد أفراد من عامة الشعب.

والمشكلة أيضاً فى أرض الصومال أن تحركاتها تستهدف فى المقام الأول الاستقلال النهائى عن الصومال والحصول على الاعتراف الدولى، وتقسيم دولة عربية تعانى من مشكلات فى سيادتها، بدلاً من السعى إلى الوحدة، وفى المقام الثانى أنها تتحرك دون مراعاة للأمن القومى العربى بشكل عام، وعلى سبيل المثال لا الحصر قرارها بالسماح لإثيوبيا بالحصول على قاعدة بحرية فى منطقة "لوغهيا"، كجزء من مشروع أديس بابا لإقامة نظام إقليمى أفريقى جديد يعمل ضد مصر أولاً والعرب ثانياً، رغم أن شيوخ القبائل عارضوا بشدة اقتراح إنشاء هذه القاعدة فى منطقتهم الساحلية.

المقام الثالث المهم أن أرض الصومال، وعاصمتها هرجيسا أصبحت موطناً للعديد من جماعات الإسلام السياسى، والهاربين من بلدانهم، وعلى سبيل المثال فمنذ أزمة الإخوان فى مصر 2013، بدأ بعض القيادات والعناصر التوجه إليها عقب هروبهم من مصر، مثل عبدالرحمن الشواف، وعزب مصطفى، وعزت صبرى، وأمير بسام، وعز الدين الكومى، إضافة إلى قيادات الصف الثانى والشباب.

وعلى الرغم من رحيل بسام والكومى عنها فيما بعد، فإن بعض عناصر الإخوان غير المعروفين موجودون هناك، ومنهم على سبيل المثال حلمى الجزار ومحيى الدين الزايط، اللذان عملا فى مستشفى داخل أرض الصومال، قبل أن ينتقلا منها إلى دولة أخرى فيما بعد.

وقد كشف تسليم القيادى فى منظمة "حسم" الإرهابية محمد عبدالحفيظ، عن وجوده فى أرض الصومال، قبل تسليمه لمصر من قبَل تركيا، واعترف القيادى محمود الجمال أنه موجود هو ومجموعة كبيرة من الإخوان فى هرجيسا، وذلك فى إصدار صوتى يتحدث فيه عن خلافات وانشقاقات داخل الجماعة.

الوطن

يقرأون الآن