عاش المترجم

الترجمة هي قول "الشيء نفسه تقريبا" حسب تعبير الكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو، وقد تخفي كلمة "تقريبا" من الشك ما قد يتحول إلى خيانة للنص الأصلي، وهو ما يمكن تبريره بغياب التطابق الكلي بين الكثير من المفردات والمعاني بما يؤثر على دقة نقلها من لغة إلى أخرى، حتى أن الدبلوماسي والفيلسوف الألماني فيلهلم فون همبولت تبدو له الترجمة مجرد محاولة للقيام بمهمة مستحيلة، في ما يعتبر الأكاديمي الأميركي روبيرت غرانت أنه "لا يمكن أن تكون ثمة ترجمة نهائية مطلقة".

كان اليوم العالمي للترجمة يوما مهما يتم الاحتفال به في تقويم الاتحاد الدولي للترجمة منذ خمسينات القرن الماضي من أجل أن تكون هناك مناسبة سنوية كأساس للاحتفال بهذا المجال الحيوي والمهم للبشرية وللتواصل بين الأفراد والجماعات.

منذ عام 2017، تم الاعتراف رسميا بيوم 30 سبتمبر باعتباره اليوم العالمي للترجمة الذي يتم الاحتفال به في جميع أنحاء شبكة الأمم المتحدة العالمية، ويجري خلاله تكريم مساهمة المترجمين والمترجمين الفوريين وخبراء المصطلحات المحترفين في ربط الأمم وتعزيز السلام والتنمية العالمية، ويؤكد على الدور السياسي والثقافي المهم للترجمة في التعددية واللغوية المتعددة.

يتزامن اليوم العالمي للترجمة مع يوم القديس جيروم الذي كان كاهنا من شمال شرق إيطاليا، وهو معروف في الغالب بمحاولته ترجمة معظم الكتاب المقدس إلى اللاتينية من المخطوطات اليونانية للعهد الجديد. كما ترجم أجزاء من الإنجيل العبري إلى اليونانية. وكان من أصل إيليري ولغته الأم كانت اللهجة الإيليرية. وتعلم اللاتينية في المدرسة وكان يجيد اللغة اليونانية والعبرية، التي حصل عليها من دراساته وأسفاره، إلى أن توفي بالقرب من بيت لحم في 30 سبتمبر من عام 420م.

من شأن الاحتفال باليوم الدولي للترجمة أن يشجع على الاعتراف بمهنة الترجمة وأهميتها في الحياة اليومية والمجتمع الدولي. حيث يقوم المترجمون بدور الوسيط بين بشر مختلفين من حيث العرق والثقافة وأساسا من حيث اللغة، وذلك من خلال الكتب والمقالات والأفلام والأبحاث العلمية والوثائق الرسمية.

أثبت تاريخ الترجمة الدور الكبير الذي لعبته هذه الصناعة بشكل عام في خلق روابط الاتصال بين المجتمعات وبعضها وكذلك إقامة الروابط بين الدول والأمم، حتى أنها مثلت الطريقة الوحيدة للحصول على تواصل هادف بين الشعوب والدول، من خلال مساعدة الأطراف على الاتصال وفهم بعضهم البعض.

النص الأكثر ترجمة في التاريخ وعلى مستوى العالم، هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم نقله إلى أكثر من 500 لغة.

دون ترجمة ما كنّا لنتواصل مع العالم، وما كنا لنستفيد من منجزاته العلمية والفكرية والإبداعية، وما كنا لنتحاور مع الآخر والمختلف، دون ترجمة كنّا "سنعيش في مقاطعات محاطة بالصمت" على قول المؤلف الفرنسي - الأميركي جورج شتاينر، وبنفس المعني تقريبا يقول الصحافي والروائي الإيطالي إيتالو كالفينو، "لولا الترجمة لبقيت مقيدا في حدود بلدي. فالمترجم هو حليفي الأهم، لأنه يقدمني إلى العالم".

العرب

يقرأون الآن