غيّرت عملية "حماس" وفصائل المقاومة في غلاف قطاع غزة، مثل هذا اليوم قبل سنة من الآن، تاريخ العالم والمنطقة.
تغيّرت الرواية الإسرائيلية، بعد العملية، مرّات كثيرة حول ما حصل فعلا، سواء تعلّق الأمر بعدد القتلى، أو الرهائن، أو ما جرى فعلا في تلك الأيام الأولى منذ 7 تشرين أول (أكتوبر) 2023، ورغم تكشّف الكثير من المزاعم والأكاذيب والتضليلات التي تلاقفتها وسائل الإعلام الغربية، فقد تابع مسؤولو الدولة العبرية، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة، على تكرار القصص التي ثبت اختلاقها حول حرق ضحايا وقتل أطفال واغتصاب نساء.
لم تجد رواية "حماس" المتأخرة حول الأحداث حصة عادلة في تناولها ضمن الإعلام الغربي الذي يتباهى بحياده ونزاهته ومصداقيته، وهو ما ساهم في اندفاع إسرائيل لبدء عملية انتقام مهولة لم تنته من الفلسطينيين، ولاتخاذ العملية مبررا لتنفيذ خطط آباء الإرهاب الإسرائيلي الاستيطانية والتي تحتاج لتنفيذها إلى إبادة جماعية وتطهير عرقي للفلسطينيين، ليس في غزة فحسب، بل في الضفة الغربية أيضا.
رفعت الحرب التي شنتها إسرائيل على سكان غزة مستويات الخطر الأمني والديموغرافي على دول الجوار، وما لبثت أطراف من "محور المقاومة" في المنطقة، في لبنان، واليمن، وإلى حد أقل في العراق، في مشاغلة إسرائيل عسكريا لتخفيف الضغط على الفلسطينيين، فيما تدخّلت أمريكا، بشكل مباشر عبر تحريك قوات وسفن وطائرات ودعم مستمر بالذخائر والأسلحة لإسرائيل، وساهمت أغلب الدول الغربية الحليفة لإسرائيل في أشكال من الدعم العسكري والأمني، كما تدخّلت أمريكا وحلفاؤها، لحماية إسرائيل من أي قرارات في مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أدى انفلات الغرائز الإجرامية لقادة أكثر الحكومات تطرّفا وعنصرية وإرهابا في تاريخ إسرائيل، وإعلاناتهم الواضحة والصريحة عن رغبتهم الفعلية في إبادة الفلسطينيين، من اعتبارهم حيوانات، إلى تصريحات استخدام النووي، و"أخلاقية" قتل مليون ونصف جوعا، إلى تشكل رأي عام عالمي مناهض لإسرائيل، وما لبثت جنوب أفريقيا أن بدأت دعوى في محكمة العدل الدولية تتهم دولة الاحتلال بالإبادة، كما بدأ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في إجراءات للتحقق من قيامها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقاد ذلك لبدء عملية لاتهام نتنياهو، ووزير حربه، يؤاف غالانت.
مع ارتفاع شهوة الانتقام الإسرائيلي إلى حدود قصوى، وتجاوز الدولة العبرية كل ما يمكن تصوّره من أي اكتراث بسيادات دول المنطقة، واستهتارهم بكل خطط وقف إطلاق النار، وتلاعبهم بحلفائهم الغربيين، بدأ قادة إسرائيل برفع سقف طموحاتهم لتتجاوز خطط الاستيطان والإبادة والتطهير العرقي إلى خلق ظروف حرب إقليمية تضطر معها الولايات المتحدة الأمريكية إلى تكرار السيناريو العراقي في إيران.
من إبادة الفلسطينيين في غزة، وزيادة القمع والضغوط والحصار عليهم في الضفة لخلق ظروف تكرار سيناريو غزة، انتقلت إسرائيل إلى خلق أجواء الحرب الإقليمية عبر قصف قنصلية إيران في دمشق واغتيال قادة كبار في "الحرس الثوري" ونجح ذلك في دفع إيران إلى ضرب إسرائيل بمجموعة كبيرة من الصواريخ والمسيّرات، وهو ما اعتبر نوعا من الإشارة إلى أن طهران لن تقبل بمزيد من الاستفزاز.
بعد احتواء واشنطن للرد الإسرائيلي على إيران، بدأت إسرائيل بالتصعيد مجددا لدفع الأمور في اتجاه الحرب الإقليمية من جديد، فقامت باغتيال إسماعيل هنية زعيم حركة "حماس" في قلب طهران، ثم شنت عملية "البيجر" ووسائل الاتصال اللاسلكي لاغتيال وجرح آلاف من عناصر "حزب الله" ثم استهدفت قادته وصولا إلى اغتيال أمينه العام مع كبار قادة الحزب مع المستشار العسكري لـ"الحرس الثوري" في لبنان، مما فرض على طهران الرد بالضربة الصاروخية الأخيرة.
بعد سنة من عملية "حماس" تحوّل هدف إسرائيل من تأكيد أن "الإبادة ثمن المقاومة" إلى خطة لإشعال حرب إقليمية تدمّر إيران وتعيد تشكيل الشرق الأوسط ومع استعداد إسرائيل لضربة "كبيرة وجدية" لإيران، كما صرّح مسؤولوها، تزداد مخاطر هذه الحرب وهو ما يعرّض سكان المنطقة برمّتها للخطر الذي يكابد منه الفلسطينيون واللبنانيون حاليا، ويدفع بالعالم إلى مواجهة لا أحد يعرف أين وكيف ستنتهي.
القدس العربي